تكتشف، بكل الدهشة والمفاجأة، أن قاتلاً أساسياً من أركان جريمة قرية "الدالوة" الغالية استطاع من قبل، وفي التمهيد لمسرح الجريمة أن يفعل ما يلي: أن يصل إلى طاولة "الثامنة مع داود" في اختراق ممنهج مبرمج لواحد من أشهر الحوارات التي يسهر معها ليلياً شعب بأكمله، وأن يشتري عواطفنا ويكسب تعاطفنا وهو يستعرض قصته في السجون العراقية لسبع سنوات، فلم نعد اليوم على ثقة في مَن نصدق: هل نصدق هذا القاتل الذي استباح دماء أبرياء عزل في قرية سعودية آمنة مطمئنة، أم نصدق عواطفنا الجياشة التي بكت لأجله كضحية لتعذيب السجون حين سردها أمام لماح ذكي مثل "داود". بالنسبة لي، أنا متأكد أن كل قاتل عاشق لدماء البشر لن يتورع تحت كل هذه "الدراكولا" أن يكذب. بالنسبة لي: الجرأة على الكذب خطيئة هامشية ثانوية لشخص يملك الجرأة المكتملة على القتل. قصة هذا الشاب وحدها تصلح لأن تكون "أنموذجاً" مختلفاً في دراسة الأسباب التي تؤدي لبناء سيرة ذاتية لمراهق متشدد متطرف.

أولاً: هو خريج برنامج "المناصحة"، وأنا هنا اليوم لن ألوم البرنامج، لأن ذات الشاب استطاع أن يخترقنا جميعاً وبلا استثناء عندما وصل إلى طاولة برنامج "الثامنة". استطاع تخديرنا، وهذا لا يعني سوى استنتاج وحيد: أن وراءه تنظيما مذهلا بالغ الذكاء، استطاع بصورة احترافية أن "يسوق" هذا الشاب إعلامياً لشراء عواطفنا تمهيداً لهذه الجريمة. ثانياً: تبرهن قصة هذا الشاب السعودي أننا نتغافل ونتجاهل رأس الخيط. تأملوا ما يلي ومن لسانه أيضاً عندما كان على طاولة "داود". ذهب للعراق في سن السابعة عشرة، وقبض عليه بعدها بعامين. علماء النفس الإجرامي يقولون في "النظرية" إن أي شخص يحتاج إلى ثلاثة أعوام للتدريب على القبول بالانخراط في فكرة قاتلة، هذا يعني أن هذا الشاب كان في الرابعة عشرة من العمر، وفي الثانية المتوسطة عندما ابتدأ توظيفه وبرمجته كقنبلة عائمة. علماء النفس الإجرامي وفي النظرية، أيضاً يبرهنون استحالة تأثير ندوة أو محاضرة أو حلقة في مثل هذا السن، لأنه عمر لا يسمح بالاستيعاب اللفظي أو التعبئة اللغوية. النظريات نفسها لا تسمح إلا بوسيلة واحدة من أجل استمالة طفل إلى فكرة قاتلة. وسيلة الشحن المباشر ما بينه وبين شخص آخر في حياته، هنا فتش عن مدرسته وابحث عن معلمه في تلك اللحظة من عمره، أنا مؤمن تماماً أن هذا الشاب ضحية فرد مازال حراً طليقاً في مدرسة أخرى يقف اليوم أمام سبورة فصل للثاني المتوسط.