أحالت المادة الأولى من نظام حماية الطفل الصادر مؤخرا على ما قررته الشريعة الإسلامية وعلى الاتفاقيات الدولية التي وافقت عليها السعودية أو ستوافق عليها في المستقبل كمرجعية للنظام. هذا التأكيد أو هذه الإحالة يفترض أنها إحالة للمصدر الذي يمكن أن يجيب عن السؤال الأول والجوهري: ما هي حقوق الطفل؟ جزء كبير من الإشكال هنا أن الإحالة في مادة النظام لا تجيب بدقة على هذا السؤال. بمعنى أن عبارة "ما قررته الشريعة الإسلامية" ليست واضحة بالمعنى القانوني لتحسم الإشكال. كذلك الاتفاقيات الدولية وكما هو معتاد محكومة ومحدودة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. هذا الوضع يحيلنا إلى المربع الأول وهو عدم وجود منظومة واضحة ومحددة بصيغة قانونية تجيب عن السؤال الأساسي: ما هي حقوق الطفل؟
لكن يبدو أن هذا السؤال لم يكن أصلا موضوع تشريع هذا النظام بقدر ما كان الموضوع توفير غطاء قانوني لحماية الأطفال من عدد محدد من المخالفات التي تم حسم الأمر بشأنها، ويبدو أن المشرّع يراهن على القبول العام لها من أغلب فئات المجتمع. أمثلة على هذه المخالفات تشمل: أولا: الإساءات (الجسدية، النفسية، الجنسية). هذه الفقرة تحيل إلى حق أولي من حقوق الطفل، وهو حمايته من العنف بصوره المختلفة. هذا القانون سيواجه ثقافة محلية لا تزال في حدود كبيرة وبمرجعيات دينية تقبل العنف الجسدي (الضرب) والنفسي (الإهانة اللفظية) كأسلوب من أساليب التربية. هذا السلوك موجود داخل الأسر وفي المدارس. المدارس رغم المنع القانوني للضرب إلا أنها عامرة بثقافة متسامحة مع العنف تجاه الأطفال. في أحيان كثيرة يحتكر مدير المدرسة أو الوكيل حق الضرب بغرض ضمان عدم حدوث إصابات كبيرة تستوجب تدخلا طبيا يفتح على المدرسة إشكالات قانونية. هذه الثقافة عميقة جدا وتحتاج إلى عمل مكثف لمواجهتها وحماية الأطفال من العنف المباشر وغير المباشر في البيئة التعليمية. لا أعلم كيف سيكون تأثير هذا القانون على البيئة المدرسية التي لا تزال تفتقد متخصصين نفسيين واجتماعيين وصحيين ضمن طاقمها. مدارس البنات تعاني برأيي عنفا أعمق وأشد بسبب بيئاتها الأكثر محافظة. العنف هنا يأخذ صورا مختلفة، ولكنها ترتكز على رسم صورة محافظة حادة لجسد المرأة تجبر عليه كل الطالبات. العنف النفسي دارج كطريقة لضبط أجساد الطالبات وفق الصورة النمطية للجسد.
ثانيا: نص النظام على أنه من المخالفات لقانون حماية الطفل وجود الأطفال في أماكن غير آمنة أو في أماكن قد يتعرض فيها للخطر. هذه المادة أيضا تحيل للبيوت والمدارس باعتبارها الأماكن التي يقضي فيها الأطفال غالب أوقاتهم. من تجربتي الشخصية كثير من المدارس لا ينطبق عليها شرط البيئة الآمنة لعدة أسباب، منها: أولا عدم توفر شروط السلامة الأولية من وجود مخارج طوارئ وطفايات الحريق وعدم تدريب العاملين فيها على التعامل مع الحرائق وما شابهها. ثانيا: مقاصف المدارس لا تخضع لرقابة صحية مباشرة متتالية تكفل الجودة الصحية لما يتناوله الأطفال. ثالثا: كثير من المدارس لا يتوفر لها عمال نظافة مما يضطر الإدارة إلى التعاقد مع عمالة غير نظامية غير مضمونة الاستمرار في العمل. رابعا: ونتيجة للفقرة السابقة المرافق الصحية (دورات المياه) للمدارس خصوصا المخصصة للطلاب غير نظيفة وغير صالحة للاستعمال البشري. خامسا: الأعداد الكبيرة في الصفوف وعدم توفر تكييف بارد في الصيف وحار في الشتاء بشكل جيد يجعل الصفوف الدراسية غير مناسبة للتواجد البشري الصحي. سادسا: المرافق الرياضية في المدرسة (إذا توفرت أصلا) لا تتوافر على شروط الأمان الضرورية لممارسة الرياضة عليها. في مدارس كثيرة عملت بها يلعب الطلاب على أرضية أسمنتية خطيرة خصوصا لألعاب يكثر فيها الوقوع على الأرض ككرة القدم. مدارس البنات حالات أصعب بسبب التشديد المبالغ فيه لإقفال تلك المباني عن العالم الخارجي. الواقع يقول إنه لا يوجد تأهيل متعلق بالأمان للعاملات داخل المدرسة، كما أن دخول عناصر من خارج المدرسة إلى داخلها عملية معقدة وتستغرق وقتا طويلا، وبالتالي فإن احتمالات التعامل السريع والمباشر مع الظروف الصعبة سيكون بطيئا وغير فعّال. الحالات السابقة ليست هي الواقع في كل المدارس، ولكنها في عدد كبير منها، مما يبرر القلق ويجعل من القانون الجديد أمام مهمة أساسية للعمل مع وزارة التربية والتعليم لإعادة تقييم صلاحية البيئة المدرسية الحالية لأن تكون بيئة آمنة ولا تعرّض الأطفال للخطر.
ما أتمناه ويتمناه كثيرون هو أن تتعامل الوزارات المعنية -خصوصا الشؤون الاجتماعية والتربية- مع النظام لا على أنه عبء جديد وغير ضروري، بل على أنه فرصة قانونية لإحداث تغييرات جوهرية حيال الأطفال. القانون الجديد يفترض أن يعطي دافعا أكبر للدفع بعدد كبير من الإصلاحات التي تستهدف أغلى ما يملك وطن أو شعب أو أي تجمع بشري: أطفاله.
القانون سيكون له تطبيقات ربما أكثر حدة في المجالات الأسرية الخاصة وفي المحاكم، ولكن له كذلك علاقة بالأفراد حتى لو لم تربطهم علاقة مباشرة بالأطفال. نصت المادة الـ 23 على أنه على كل من يطلع على حالة إيذاء الإبلاغ للجهات المختصة وتسهيل الإجراءات للطفل للتبليغ عن الإيذاء الذي يقع عليه، وتحدد اللائحة التنفيذية إجراءات التبليغ. هذه المادة المهمة تتوجه للحس الأخلاقي عند الناس ألا يتركوا طفلا يحتاج للمساعدة دون مساعدة. ألا يتركوا طفلا يتعرض للتعذيب أو الاستغلال وحيدا بلا عون وبلا رحمة. هذه المادة تلجأ إلى أعمق تفاصيل الضمير الإنساني ليتحمل واجبه تجاه الفئة الأقل حيلة وعونا ضمن فئات المجتمع قاطبة. هذه العبارة يفترض أن تصطدم بالعبارات المعتادة مثل "أهله وهم أحرار فيه"، وتعيد الفرد ليتساءل: ماذا لو كنت أنا هذا الطفل؟ ماذا لو كان هذا الطفل طفلي؟ هل هناك ما يبرر إيذاء طفل؟