أثارت "فضيحة التخفيضات الوهمية" التي كشفت عنها وزارة التجارة والصناعة مؤخراً، مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، حيث بارك وأثنى الجميع على قرار وزير التجارة بإغلاق المتاجر التابعة للشركة بسبب "التلاعب والإيهام بالتخفيضات".

وفرح الناس بهذا القرار، ليس تشفياً بالشركة وإنما بسبب إعادة ثقة المستهلك في الأسواق التجارية، من خلال تفعيل الرقابة عليها من قبل وزارة التجارة والصناعة وتطبيق العقوبات اللازمة على المخالفين، ولكن السؤال المطروح هنا: هل عقوبة التشهير التي أقرتها الوزارة كانت في محلها؟.

يقول أهل الاختصاص في القانون "إن نظام مكافحة الغش التجاري يعطي الوزارة حق التفتيش والرقابة على المحلات لرصد ومنع أي نوع من أنواع التلاعب في الأسعار والأوزان والتخفيضات الوهمية، وهنالك عقوبات مختلفة منصوص عليها في النظام تقتضي مصادرة البضائع وغلق المنشآت المخالفة وإصدار العقوبات المختلفة".

ويقولون أيضاً بخصوص قضية التخفيضات الوهمية، بأنها تحال نظاماً إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، وبالتالي تأخذ القضية أبعاداً قضائية، تبدأ من التحقيق وتنتهي في المحكمة، والسؤال هنا: أليس قرار إغلاق المحلات وعقوبة التشهير يعتبر حكما على الشركة؟ فلماذا تحال القضية إذاً إلى هيئة التحقيق والقضاء؟ قد يقول قائل بأنه "ربما تكون هناك عقوبات أشد على الشركة تدخل ضمن اختصاصات القضاء".

لنرجع إلى الأنظمة واللوائح التي تستند إليها وزارة التجارة في تطبيق العقوبات على الشركات المخالفة في مجال تخفيضات الأسعار، ولنفهم أكثر دور الوزارة في مجال حماية المستهلك، على الأقل من باب التوعية بالثقافة الحقوقية للتاجر والمستهلك.

تنص المادة الرابعة من نظام مكافحة الغش التجاري على أنه "لا يجوز إجراء تخفيضات في أسعار المنتجات، أو إجراء مسابقات تجارية بأي وسيلة من الوسائل دون الحصول على ترخيص من الوزارة"، وعلى هذا الأساس يعاقب المخالف لنص هذه المادة، ويقوم بالتخفيضات دون تصريح، بغرامة مالية لا تزيد على خمسين ألف ريال، أو السجن مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بهما معاً.

ويلاحظ من المادة السابقة، أن العقوبات اقتصرت فقط على إجراء تخفيضات بدون تصريح، والنظام بشكل عام لم يتطرق إلى عقوبات بخصوص مخالفة شروط التصريح التي حددتها اللائحة التنفيذية، كما أن "التخفيضات الوهمية" لا تدخل ضمن مفهوم الغش التي حددتها المادة الثانية من النظام، وبذلك بعكس النظام القديم الذي نص على ذلك صراحةً، وأعطى للوزير صلاحية إقرار العقوبات على المخالفين مباشرة.

فقد نصت المادة (18) من النظام القديم لمكافحة الغش التجاري على أنه "يجوز للوزير أن ينظم بقرار منه الأساليب التي تتبع عند إجراء تخفيضات عامة في أسعار السلع.. لضمان الجدية وعدم الخداع.. ويعاقب المخالف لأحكام القرار بالعقوبة المنصوص عليها في المادة الأولى".

وبناءً على ما سبق، يمكن القول: إن "التخفيضات الوهمية" ليست عليها عقوبات محددة، ولا تدخل ضمن مفهوم "الغش التجاري" في النظام الجديد، بالرغم من أن اللائحة التنفيذية اعتبرتها من ضمن مفهوم الخداع، وبالتالي فإن مثل هذه الحالة متروكة في منطقة الفراغ.

وفي جميع الأحوال، فإن أية عقوبة تفرض على شركة أو مؤسسة مخالفة، يجب أن يسبقها تحقيق من قبل الجهة المختصة وهي هيئة التحقيق والادعاء العام وذلك حسب نص المادة (12) من نظام مكافحة الغش التجاري، ويختص ديوان المظالم بالفصل في جميع المخالفات والمنازعات، وذلك حسب نص المادة (13) من النظام.

وعلى هذا الأساس، ليست هناك صلاحيات لوزارة التجارة تتعلق بإغلاق المحلات المخالفة وكذلك التشهير بها في إطار نظام مكافحة الغش التجاري الحالي، بعكس النظام القديم الذي أعطاها هذه الصلاحيات، وللوزارة صلاحية الضبط القضائي فقط.

قد يقول قائل: "لو طبقنا إجراءات تطبيق العقوبات الواردة في نظام مكافحة الغش التجاري الحالي، لأخذت سنوات طويلة، بين لجان التحقيق وأروقة المحاكم، وهذا لا يخدم مصلحة المستهلك، حيث إن مثل هذه القضايا يحتاج إلى أحكام فورية وسريعة لتحقيق الردع المطلوب وفي الوقت المناسب".

لا شك بأن توسيع نطاق ديوان المظالم ليشمل النظر في القضايا التجارية التي منها الغش التجاري، تعتبر من أهم إجراءات التطوير لمقابلة زخم القضايا التجارية في ضوء المستجدات الحديثة، ونحن اليوم بحاجة إلى وجود محكمة تجارية متخصصة وقوانين تجارية شاملة يشرف عليها قضاة متخصصون في هذا المجال.

المحاكم التجارية أصبحت ضرورة في ظل النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة، فلا مجال للاجتهادات الفردية والقضايا الوقتية التي تشغل الرأي العام في فترة معينة، ثم تنسى مع مرور الزمن، وتبقى المخالفات تزداد وتكرر من وقت لآخر.

حينها سوف تكون هناك محاكم مستعجلة للنظر في القضايا التجارية العاجلة وإصدار الحكم اللازم في الوقت المناسب، ومنها "التخفيضات الوهمية"، وكذلك القضايا الأكثر خطورة من هذه القضية وهي: "تجارة السلع المغشوشة" وبيع وتداول "الأغذية الفاسدة"، إلى جانب المحاكم التي تنظر في القضايا الجوهرية مثل المخالفات المتعلقة بنظام: "حماية المنافسة"، ومكافحة الاحتكار، مع وجود نظام للمرافعات توضح الإجراءات القضائية اللازمة.

تشير إحدى الدراسات في المجال الاقتصادي إلى أن "وجود النظام القضائي التجاري (المتخصص)، سيكون داعماً لحركة النمو الاقتصادي في البلاد، مما يكسب النظام الاقتصادي السعودي احترام وثقة المتعاملين معه من المواطنين والأجانب".

إن "قضية التخفيضات الوهمية" وردة فعل الرأي العام تجاهها، أعتبرها مدخلا مهما لإعادة النظر في الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالأمور التجارية والاقتصادية، والاتجاه نحو صياغة قانون تجاري موحد ومستقل عن فروع القوانين الأخرى تحت إشراف قضائي متخصص، يتضمن رؤية واضحة نحو الالتزامات التجارية لينطلق النمو الاقتصادي في حركته التنموية.