لا أحد يحب مشاهدة عمليات الجراحة. أطباء الجراحة يمتلكون قلوبا صلبة وهم يمدون مشارطهم وأدواتهم الطبية لرتق جرح أو ترميم أطراف مبتورة أو استئصال أو زراعة أعضاء، أو حتى تغيير الملامح الجسدية لمهووسي الجمال وطالبي التعديل على الخلقة التي خلقهم الله عليها. تفاصيل العمليات الجراحية مزعجة ولا يقوى عليها إلا من امتهن هذه المهنة أو امتلك قلبا قويا لا يضعف أمام الدماء والجروح.
عند زيارتك لمطار جدة، تشعر أنك مجبر على مشاهدة عملية جراحية، تجد مدخل المطار مليء بعمليات الترميم والبناء فتشعر وأنت تهم بالدخول إليه أو الخروج منه أنك طالب طب ما زلت تتجرع مخاوف الجراحة وتكابر على نفسك أن تشهد العملية الجراحية الأولى في حياتك، وتتعجب من جرأة الطبيب الخبير الذي تتدرب على يديه وأنت تراه يمارس عمله بكل هدوء رغم ضجيج الدماء وبشاعة الجروح، وهذا ما حصل لي أثناء زيارتي لمطار الحجاج في جدة، فما إن خرجت منه حتى استقبلتني لوحة تحذيرية بأن أمامي "تحويلة" وبعدها بقليل مررت بصبات خرسانية وعمالة غير متقيدة بالزي الموحد ولا بخوذة السلامة، وشاحنات ومعدات المقاولين تسير في الطريق الترابي المحاذي للطريق الرئيس وتثير الأتربة على حافلات المعتمرين ومركبات العابرين وتزاحمها وتقطع الطريق عليها، وسيارتي مرور تقفان على الجانبين لا تشاهدهما تفعلان شيئا سوى أن أحد رجل المرور يمارس هوايته في استخدام تطبيقات الجوال غير مبال بالخناق المروري عند تقاطع التحويلات، ولا بالحادث الصغير الذي حدث في منتصف التقاطع وانتظار قائدي المركبتين لأن يباشر الحادث موظفي "نجم". لا يتوقف هذا المنظر على مخرج المطار بل يستمر على امتداد طريق الحرمين من مطار الحجاج في شمال جدة إلى جنوبها الشرقي باتجاه مكة المكرمة.. على طول مسافة الطريق ترافقك تحويلات مشروع قطار الحرمين وهدم للكباري وبناء كبار جديدة وبناء محطة قطار. كل هذه المشاهد ترافق أي حاج أو معتمر قادم عن طريق المطار، وأتساءل دائما عن انطباع ضيوف الرحمن وهم يرون كل هذه الفوضى التي تخلفها مشاريع التنمية، التي تعمل معظمها من أجلهم ومن أجل تطوير الخدمات المقدمة لهم، إلا أنها رغم ذلك تخلف ضوضاء بصرية وزحاما مروريا لا يطاق.
مشاريعنا التنموية من أجلنا ومن أجل توفير أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين وهو أمر لا اعتراض عليه بل نطالب به، والخلل الذي نشاهده الآن كان بإمكاننا تفاديه لو كانت كل هذه المشاريع تطبق معايير الذوق العام، وترفع ستارا كبيرا بلوحات تخيلية للمشاريع القادمة تحجب عنا تفاصيل المشاريع التي يقومون بها، ولو أنهم خططوا جيدا قبل بداية تنفيذ المشاريع لسعة الطريق وعدم التأثير على حركته المروية، ووضع البديل عن الصبات الخرسانية التي تقف ببلادة على جانبي الطريق وتحويلاته، ورفع معايير سلامة الطرق، لحد ذلك من المشكلات التي تحدث الآن ولكانت الطرق أجمل، ولكن لأن معايير مناقصات مشاريعنا التنموية لم تشمل ما يحيط بالمشاريع والحرص على عدم التأثير حولها، فإن الحد من هذه المظاهر السلبية ما زال خارج قائمة اهتمام أصحاب الشأن ومنفذي المشاريع، ولم يعد هناك وقت كاف لرتق هذه السلبيات، فالفوضى عارمة والمشاريع التي يمر عليها طريق الحجاج والمعتمرين وصلت إلى المنتصف في مراحل تنفيذها تقريبا، ولإنهاء الفوضى التي خلفتها والتي يشاهدها أي زائر لا يوجد حل أفضل من أن ننهي المشاريع التي يمر عليها طريق الحرمين في موعدها المحدد. فمشروع مطار الملك عبدالعزيز الدولي الجديد يخدم نحو ثمانية ملايين حاج ومعتمر، وفقا لأحدث إحصائية، ونأمل أو من المفترض أن تكون أول طائرة ستقلع منه في منتصف عام 2015، أما بالنسبة إلى مشروع قطار مكة/المدينة فإنه وفقا لتصريح الرئيس العام لمؤسسة الخطوط الحديدية المهندس محمد السويكت، فإن أول رحلة قطار عليه ستكون في منتصف عام 2016 وحينها سيكون المشروع جاهزا بالكامل للتنقل بين المدينة المنورة ومكة المكرمة والمحطات البينية، ومن أهمها محطة محافظة جدة.
مشروع مطار الملك عبدالعزيز الدولي ومشروع قطار مكة/ المدينة هما أكثر المشاريع التي أحدثت الكثير من الفوضى على الطرق المؤدية إلى مكة والمدينة مرورا بمحافظة جدة، ولذلك يجب على القائمين عليهما أن يراعيا أهمية الإنجاز المبكر ودوره في توفير خدمة أفضل لحجاج بيت الله والمعتمرين، الذين كما ذكرت سابقا بأن أعدادهم وفقا لأحدث الإحصاءات، تصل إلى ثمانية ملايين حاج ومعتمر سنويا وهو رقم كبير يشعرنا بأهمية المسؤولية تجاههم والحرص على راحتهم، وبما أنهم لم يضعوا ستارا يحجب عنا رؤية العمليات الجراحية التي يقومون بها ويحمينا من ضوضائها فعلى الأقل يجب عليهم إنهاؤها في أسرع وقت لنرى "طريق الحرمين" وقد عاد إلى صحته وعافيته وجماله.