بعد أن حققت شركة المعجل خسائر وصلت إلى 223% من رأس المال، أعلنت هيئة السوق المالية رفعها دعوى قضائية ضد أعضاء مجلس إدارة شركة المعجل، الذين كانوا في مرحلة الاكتتاب عام 2008، حتى 2011، بالإضافة إلى بعض كبار التنفيذيين في الشركة والمحاسبين القانونيين للشركة في تلك الفترة، كما أشارت الهيئة إلى وجود تحقيق مع أطراف ذات صلة ربما تشملهم الدعوى، هذه الدعوى رفعتها الهيئة مشكورة لأجل إثبات المسؤولية عن تعويض المساهمين المتضررين جراء شرائهم السهم.

هذا الإجراء يتم لأول مرة، أن تتقدم الهيئة وتمارس دور الادعاء لأجل التعويض عن ضرر المساهمين، ويبدو أن الهيئة استعملت حقها من خلال المادة الـ59 من نظام السوق المالية، والتي تخولها لتقيم دعوى التعويض نيابة عن الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة ارتكاب مخالفة لأنظمة السوق، حيث جاء في نص المادة 59 (أ): "إذا تبين للهيئة أن أي شخص قد اشترك، أو يشترك، أو شرع في أعمال أو ممارسات تشكل مخالفة لأي من أحكام هذا النظام، أو اللوائح أو القواعد التي تصدرها الهيئة، أو لوائح السوق، فإنه يحق للهيئة في هذه الحالات إقامة دعوى ضده أمام اللجنة لاستصدار قرار بالعقوبة المناسبة، وتشمل ما يأتي: "ثم ذكرت في الفقرة 4 "تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة"، ومن هنا، فإن الهيئة مخولة نظاما لتقوم برفع دعوى التعويض لأشخاص آخرين ولو من دون تفويض منهم، وهذا النص رائع، وكانت هناك مطالبات بتحريك هذه المادة من قبل، وقد كان هذا بعد أن أصبح على رأس الهيئة شخصية قانونية معروفة، وهو يعرف النظام بشكل جيد ويفهم أبعاده بمهارة.

وقد كان النظام حمّل أشخاصا متعددين مسؤولية وجود أي بيانات غير صحيحة بشأن أمور جوهرية، ففي م55 (ب) تحدث عن "الجهة المصدرة للورقة المالية"، وتوسع هنا في تحميل المسؤولية، فالجهة المصدرة تتحمل المسؤولية حتى لو كانت تصرفت بشكل معقول، أو أنها لم تكن تعلم بالبيانات غير الصحيحة، وهذا نص واسع جدا، واحتمال فوز المساهمين بالتعويض من المُصدر للورقة كبير جدا في حال وقع أي خطأ في نشرة الإصدار، وهو الأمر الذي يشير إليه إعلان الهيئة بأن الدعوى رُفعت على مجلس الإدارة وقت الاكتتاب وبعده 2008-2011. ثم حمّل أيضا النظام أعضاء مجلس الإدارة وكبار الموظفين إضافة إلى متعهدّي التغطية "بما لا يزيد عن المبلغ الذي تعهدوا بتغطيته" ومراجعي الحسابات، وقد يدخل هنا أيضا المقيّمين أو المثمنين طالما لهم يد في المصادقة على البيانات غير الصحيحة، كما أن الهيئة أشارت إلى وجود تحقيق إلى أطراف آخرين ذوي صلة بالموضوع قد يتحملون المسؤولية أيضا. ونظرا إلى اتساع دائرة المسؤولين المحتملين في القضية، فإننا نحن المحامين نعلم أن حظ المساهمين المتضررين سيكون كبيرا بإذن الله، ولكن الأمر سيكون تحت نظر لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، وهي لجنة شبه قضائية ليس للهيئة عليها سلطة، فهي تنظر للموضوع باستقلالية، مما يجعلها تنظر في الدعوى وتفحص الادعاء ومستنداته، ثم تصدر قرارها بالمسؤولية من عدمه، إضافة إلى القرار بالأشخاص المسؤولين عن الخطأ الذي حصل، ومن ثم التعويض.

هناك إشكال نظامي في الدعوى، ولا أدري عن الخلفية التي لدى هيئة سوق المال، حيث نصت المادة 58 على عدم سماع الدعوى بعد إدراك الشاكي بالحقائق ومرور سنة على الإدراك، كما أن الدعوى لا تُسمع بعد حدوث المخالفة بخمس سنوات بأي حال من الأحوال، حيث إن المخالفة وقعت عام 2008، وقد مضت أكثر من خمس سنوات في ظني، إلا إذا اعتبروا أن الواقعة متصلة إلى أواخر 2011، وأتصور أن الهيئة لديها الكثير من الكوادر القانونية ذات التأهيل العالي ولا تفوت عليه هذه النقطة، ومؤكد أن لديهم تبريرا لها.

الحاصل أن المتضررين قد يحصلون على تعويض من خلال هذه الدعوى بإذن الله، مع أمنيتي أن تعود الشركة إلى عافيتها وتتمكن من تجاوز مشاكلها المالية العميقة، وأن تعود الأمور إلى نصابها.

هذا الأمر يؤكد ضرورة إصدار تعديلات على جميع الأنظمة واللوائح ذات الصلة كي تتوافق مع المعايير المحاسبية والقانونية العالمية، والشفافية التي تتطلبها الأسواق المالية ذات الحساسية العالية، فهناك الكثير الذي قد يقال في هذا الموضوع، وهو ما حصل أيضا في أميركا بعد قضية شركة إنرون الأميركية، كما سبق شرحه في المقال السابق باختصار.