النشاط الإرهابي يتمدد في العالم كله، ولكن تظل منطقة الشرق الأوسط البيئة الأكثر احتضانا للإرهاب والإرهابيين وتفريخهم وجذبهم، مما يجعلها مضطربة وغير مستقرة إلى أن تزول الأسباب أو تتم تسوية فكرية وأمنية لن تصل نسبة مئة بالمئة بالتأكيد، ولكن إلى الحد المثالي الذي يؤهلنا للجهر بمكافحة الإرهاب والقضاء عليه وتناسب ذلك طرديا مع الاستقرار والأمان في المنطقة ودول العالم.

في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2014، إشارة مزعجة وأرقام مرعبة لنمو الإرهاب، حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع عدد ضحايا الإرهاب بنسبة 61% سنويا، فيما ارتفع عدد الدول التي تشهد 50 حالة وفاة أو أكثر بنسبة 60% سنويا، وفي العام السابق تم تسجيل نحو 10 آلاف هجوم إرهابي بما يمثل زيادة بنسبة 44% عن عام 2012، الأمر الذي ترتب عليه وقوع حوالي 18 ألف حالة وفاة تقريبا.

بالنسبة لنشاط التنظيمات والمنظمات الإرهابية والدول التي تتحرك فيها فإنها جميعا موجودة في منطقتنا، فقد سيطرت أربع منظمات على قائمة الأعمال الإرهابية في عام 2013، وهي: الدولة الإسلامية في العراق والشام، وبوكو حرام، والقاعدة، وطالبان، وهم مسؤولون بشكل جماعي عن نسبة 66% من العدد الإجمالي للضحايا، فيما تم تسجيل أكثر من 80% من حالات الوفاة الناجمة عن حوادث إرهابية في عام 2013 في خمس دول فقط هي: العراق، أفغانستان، باكستان، نيجيريا، سورية.

وفي العراق ارتفع عدد الضحايا بمقدار 164%، وهي الزيادة الأكبر في المؤشر، وذلك يعني ضمنا أن الإرهاب يعمل في المنطقة بصورة مكثفة بما يجعلها بؤرة له، وذلك خطر في سياقين، أولهما تهديد أمن المجتمعات في المنطقة، وثانيهما أنها تصبح هدفا مشروعا للقوى الغربية لضربها من أجل حماية أمنها القومي، وذلك يغض النظر عن سقوط الضحايا المدنيين نتيجة تلك الضربات، على نحو ما يحدث في أفغانستان وباكستان واليمن من هجمات طائرات "الدرون" خاصة أن الضربات الغربية دائما جوية ليأمن حتى مقاتلوها من العمليات العسكرية المباشرة مع العدو الإرهابي.

مؤشر الإرهاب العالمي الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام يصنف الدول حسب تأثير الأنشطة الإرهابية إلى جانب تحليل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالإرهاب، وهو دقيق بصورة بحثية منهجية بحيث يمكن الاستناد عليه في قراءة النمو الإرهابي وتطوراته، سواء في المنطقة أو حول العالم، وحتى لا نكتفي بإحصائياته فقط، نتجه مباشرة إلى الأسباب، حيث يعدد ثلاثة عوامل مرتبطة بالإرهاب: العنف الذي يتم برعاية الدولة والشكاوى الجماعية ومستويات الجريمة المرتفعة، والأمر المهم هو أن معدلات الفقر ومستويات حضور المدرسة ومعظم العوامل الاقتصادية ليس لها أي صلة بالإرهاب، وهذه هي المفارقة المثيرة للاهتمام.

براءة الفقر والجهل التعليمي من سببية الإرهاب، مقبول لأن الفقراء يثورون فقط لمطالب بتحسين أوضاعهم المعيشية، ولا يفكرون في الموت كغاية وإنما في الفرار منه، لا يريدون أن يجوعوا حتى يموتوا، وهي مسألة بسيطة للغاية، ولكن الذين يرهبون هم الشبعى الذين يشحنون البطون بما لذ وطاب، والعقول بالتأويل والتفسير الذي يوهمهم بأن الموت ينتهي بهم إلى الجنة والحور العين، هناك فرق بالتأكيد، ففقر شعوب المنطقة رغم ثرائها لا يعني بالضرورة أن تتحول إلى أدوات إرهابية أو رقاع في شطرنج سياسي ومخابراتي.

الإرهاب يأتي نتيجة لأخطاء في الفكرة الدينية، ذلك هو الاستخلاص الحاسم، في تقديري، من الحالة الإرهابية في المنطقة، فالإرهابيون يعيشون في خيال ديني خصب وتهويم في عالم افتراضي يبدأ من تخطئة سلطة سياسية، والعلاج لا يأتي من خلال الحلول الأمنية وحدها أبدا، وإنما الانتشال من التنويم المغناطيسي الذي يجعل قطع الرؤوس وتفجير الناس عتبات لرضا غير منطقي، دولة المدينة وهي محاصرة وفي قمة ضعفها لم ترسل رسائل غير إنسانية للعالم حتى ترهبهم وتثبت وجودها وتحافظ على بقائها، وإنما بالتي هي أحسن والتسامح وقبول الناس على علاتهم حتى يختاروا ويتبيّنوا ويستبينوا... أحدهم قال للرسول الكريم "اتق الله يا محمد" ولم يقتل أو يقطع رأسه ليكون عبرة ورسالة، فمن أين يأتي هؤلاء بدينهم؟!