قمة الرياض الأخيرة كانت أحد أكثر الأحداث أهمية بالنسبة لنا نحن مواطني الدول الخليجية، إذ تمخضت عنها قرارت حكيمة، أهمها عودة سفراء السعودية والبحرين والإمارات إلى قطر. اجتماع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في رياض المجد في جلسة استثنائية قبل موعد قمة الدوحة، حمل توافقا من العواصم الثلاث بعودة السفراء إلى مناصبهم.
المواطن الخليجي يهمه أن يرى علاقات مستقرة بين الأنظمة السياسية الخليجية أو متفاهمة على الأقل، لإيمانه بالوحدة ولخصوصية العلاقة بين أفراده وارتباطهم ببعض.
عودة السفراء أثلجت قلوب الخليجيين، وأثبتت أن القادة الكبار يستطيعون حسم خلافاتهم، وأن العقل والتعقل هما سيدا الموقف دائما.
كان الشيخ تميم، قد أعلن سابقا هذا الأسبوع أن قمة الدوحة ستكون مميزة، وتضع النقاط فوق الحروف، وتزيل الخلافات، لذلك استبق القادة القمة العادية وكمكافأة للدوحة برأيي تم توجيه الدعوة إلى اجتماع الرياض الطارئ، وعاد السفراء مع الأمير للعاصمة القطرية.
رجوع السفراء: البحريني والسعودي والإماراتي، هي رسائل مهمة لنا نحن الشعوب الخليجية، بأن القادة تقترب وجهات نظرهم وتزول الخلافات تدريجيا، وأنهم على مستوى المسؤولية وتطلعات المواطنين، وأن علاقات الخليجيين موغلة في القدم وضاربة جذورها في أعماق قلوبنا وذاكرة تاريخنا.
الوضع الاجتماعي متشابه جدا في الدول الخليجية، وأنظمة الحكم تقريبا متشابهة، وطبيعة العلاقة الخاصة بين الحاكم والمحكوم ـ بين أفراد المجتمع وتلك العوائل الحاكمة ـ هي علاقة تتميز بالتناغم والقبول.
متفائلون في المستقبل أن تكون العلاقات الخليجية البينية أكثر قوة وتماسكا بحكم الحاجة لتوحيد الكلمة ورص الصفوف، والعمل في منظومة جمعية لمزيد من التقدم ومواجهة الأخطار الجماعية.
تأسيس مجلس التعاون الخليجي وفكرة الاتحاد بدأتا في الثمانينات الميلادية كخط طبيعي للدفاع عن النفس في مواجهة أخطار الحرب العراقية الإيرانية، وكان لقادة دوله الست وشعوبها رغبة حقيقية في الاندماج والتوحد. ربما تكون أبرز الخلافات القطرية الخليجية قد تم تجاوزها وحلها، لكننا نحتاج ضمانة ألا تحدث تلك الخلافات مجددا، وذلك لن يكون دون مزيد من التنسيق الجاد المتواصل في كل الأوقات وفي كل الأمور بكل صراحة وشجاعة لمزيد من النجاح.
حين تكون النية صادقة في صناعة السلام والمحبة والتعاون بين الشعوب، ويتكون عقل جمعي وحدوي كما يحدث في الفضاء الخليجي، يصبح من السهل محاصرة الخلافات وعلاج المشاكل.
معالجة إفرازات الربيع العربي والتعامل مع الواقع على الأرض في دول الربيع تلك؛ كان في رأيي أبرز نقاط الخلاف بين القادة الخليجيين، وكانت الرؤية القطرية مختلفة، وبالتالي كانت الخلافات شديدة، ولكن الشعور بالحرص على الوحدة الخليجية والتسامح والمسؤولية والعقلانية التي يتميز بها القادة الخليجيون أعادت العلاقات الرسمية إلى طبيعتها الفاعلة، وعاد السفراء لمقرهم الطبيعي في العاصمة القطرية.
ربما يكون الملف المصري هو الأكثر تعقيدا في ملف الخلافات الخليجية البينية، وكذلك العلاقات القطرية الإيرانية، والميل تجاه تفاهمات منفردة مع الجمهورية الإيرانية، وهو ما كان دائما السبب الرئيس في عدم تطابق وجهات النظر إزاء العلاقات الدولية الخليجية.
الموقف من حركات الإسلام السياسي والدعم القطري لرموز الإخوان المسلمين، كان أمرا لا يمكن السكوت عنه أو قبوله من بقية العواصم الخليجية، فكان لا بد من المصارحة الحقيقية لتكون هناك مصالحة حقيقية وهذا ما تم فعلا.
كان المواطن الخليجي في الدول الست، وكذلك طبقة النخبة من المثقفين حريصين على إرسال الرسائل الواضحة إلى قادة دول المجلس برغبة مواطنيهم في إنهاء الخلاف بين قادتهم حول سبل معالجة الملفات الدولية والداخلية والشأن الإقليمي والحرص على وحدة الصف والرغبة في عودة السفراء.
سعيدون جدا بنتائج قمة الرياض، ونرفع الشكر والتقدير لقادتنا الحريصين على مستقبل المنطقة ورغبة شعوبهم، ونقدر حكمة خادم الحرمين، وحرصه على جمع الصف، ونحمد الله على انقشاع الغيمة، ووضوح الرؤية، والوصول إلى تفاهم مشترك يمهد لقمة الدوحة القادمة.
المصير الواحد لدول مجلس التعاون الخليجي بحكم قرب الجغرافيا والتاريخ المشترك، يفرض الوصول دائما إلى ضرورة تفاهم مشترك لعيش آمن بين كيانات الخليج السياسية وشعوبها.
على الرغم من يقيني بأن دول الخليج لا تحتاج إلى وجود سفراء بينها بحكم أننا كيان واحد، فلا أحتاج سفيرا حين أزور الكويت مثلا، فكل الكويت أقاربي وأهلي وأصدقائي ومعارفي، لكن عودة السفراء كانت رمزا بروتوكوليا أسعد الجميع، وننتظر المزيد من القرارت التي تدعم الوحدة. ربما يكون صندوق النقد الخليجي الركيزة الأساسية التي يكتمل بها بناء منظومة التعاون الخليجي على غرار الاتحاد الأوروبي.