في مقالتي الأخيرة (التربية الجنسية عيب أم ضرورة) تناولت دور المدرسة في التثقيف الجنسي للناشئ من خلال منهج العلوم، وسوف أتناول في هذا المقال دور المدرسة من خلال المنهجين الديني والأدبي.

في منهج الدين يجب أن يكون هناك منهج متكامل، فحتى الوضوء الذي يتم تعليمه في الصف الأول مثلا، له علاقة بالعورة وسترها وغسلها، وهذه فرصة كي نشرح للتلميذ أهمية الطهارة في الأعضاء التناسلية بأدب وحياء فالنظافة الشخصية ملمح مهم من التربية الجنسية، ويمكن الإضافة مثلا بتنبيه التلميذ إلى عدم اللعب بالأعضاء التناسلية كي لا يؤذيها، حيث لا يغيب عن بالنا أن الفضول سمة أساسية في مرحلة الطفولة، وهو ما يدفع الطفل إلى العبث بأعضائه التناسلية أو الكشف عن عورات أطفال آخرين وهذا غالبا ما يحصل في سن قبل المدرسة أي قبل السادسة، لذلك قد يدفعه فضوله إلى أمر شبيه بالتحرش، لذلك ذكرت في مقالتي السابقة أهمية إقامة ندوات تثقيفية للآباء والأمهات بخصوص التربية الجنسية المعتمدة على الدين والخلق القويم كما هي معتمدة على الانفتاح العقلي السليم؛ ومع ذلك فالمنهج الديني يمكنه أن يغتنم فرصة درس عن العورة ليشرح للطفل كيفية الاعتناء بأعضائه والحرص عليها كي لا يقع فريسة للتحرش.

هذا المنهج الديني الأخلاقي المتدرج يجب أن يوضع من قبل مختصين شرعيين وتربويين ونفسيين، وبين الصف الأول الابتدائي والسادس الابتدائي هناك كثير مما يمكن الاستفادة منه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فمثلا حديث التفريق بين الأولاد في سن العاشرة يدل على أنه سن التمييز الجنسي أو بدء الرغبة الجنسية لدى بعض الأطفال، وفي جو المملكة الحار تبلغ كثير من الفتيات في الصف الخامس، ويجب تهيئة الطفلة لهذه المرحلة علميا ودينيا، وهنا يجب إشراك الأسرة والمدرسة معا، فكما بدأنا سابقا بأحاديث الوضوء وطهارة الأعضاء في مرحلة أبكر، يجب اغتنام الفرصة للحديث عن الغسل في نهاية المرحلة الابتدائية، وبينهما لا ننسى إزالة شعر العانة والإبط المأمور بها شرعا، وكل هذه ثقافة جنسية بامتياز.

تحضرني هنا قصة طريفة ومحزنة في نفس الوقت ذكرتها في غير هذا المكان، وهي عن الأب الذي أحضر ابنتيه لمجمع العيادات الذي أعمل فيه، وطلب مني الكشف عن ابنته ذات الأربعة عشر ربيعا وكانت تشكو من آلام في الثديين، وبعد أن كشفت عليها طمأنته أن هذه الآلام طبيعية وتحصل لدى كثير من الفتيات قبل الدورة الطمثية بأسبوع أو أكثر، فأخبرني أنه سوف يدخل ابنته الأخرى البالغة من العمر عشر سنوات إلى طبيب الجراحة بسبب ظهور كتلتين في الصدر، وهما تؤلمان الصغيرة كثيرا خاصة عندما يضربها أحد عليهما بقصد أو دون قصد، فذهلت من كلامه، لأنه من الطبيعي أن تبرعم الثدي لدى الأنثى يحصل في هذا العمر وهو مؤلم جدا، فتبرعت أن أكشف على الصغيرة، فأيدني خاصة أنه لا يرغب بطبيب ذكر، فكشفت عليها فإذا بحالتها كما توقعت، أي هو بروز برعمي الثديين كأحد مظاهر البلوغ لدى الأنثى، وسألت الأب باستنكار مهذب إن كان هو يجهل هذا الأمر فكيف تجهله الأم؟!

لا ننسى أن البلوغ الجنسي يترافق مع ذروة عاطفية كبيرة، فيجب إشباع حاجة الناشئ إلى الحب، وإدخال الشعر الغزلي الجميل، في المنهج الأدبي بالمرحلة الإعدادية، له دور في تخفيف وطأة الغريزة الجنسية لدى المراهق، فالحب غالبا ما يبدأ بشكل طبيعي في هذه السن، وهو في الحقيقة يساهم بتحويل المخلوق ذي الغرائز الحيوانية إلى إنسان، لذلك فمن الجيد أن ينتبه واضعو المنهج الأدبي إلى إثراء الذائقة العاطفية والجمالية وبالتدريج في كل مستويات المراحل الدراسية، لأن من المشكلات التي يواجهها المراهق أن يكون لديه عاطفة ولا يجد أمامه سوى صديقه من نفس الجنس ليفرغها عنده، لذلك يجب أن نضع حاجزا تجاه الشذوذ بالسماح بتناول مواضيع عاطفية لتوجيه العاطفة نحو مسارها الصحيح.

من الملائم أن تدرّس سورة يوسف في الصف السادس الابتدائي، ففيها قصة عاطفية وفيها إِشارات إلى الغريزة الجنسية، وهذه السورة فيها قصة أي فيها حكاية أدبية، وفيها ملمح عاطفي (قد شغفها حبا) وفيها إشارة إلى الغريزة الجنسية (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) إضافة إلى كل ما فيها من صبر على الابتلاء والمعاني العظيمة طبعا، فالطالب عندما يكون قدوته نبيا متعففا لا يقارن بمن قدوته بطل سينما يمضي كل ليلة مع امرأة!

أقصد بهذا المثال أنه من واجبنا ملء الفراغات العاطفية لأن الطبيعة تكره الفراغ، ونفسك إذا لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، وليس ثمة خير كالفطرة السليمة، ويجب تعليم أولادنا وبناتنا تأجيل نزواتهم الجنسية، وإفهامهم أن الغريزة الجنسية وضعها الله سبحانه لغاية معينة، هي التناسل، ولا مانع أن نشرح لهم في سن معينة دور هذه الغريزة أيضا في التواصل، لكنه التواصل الشرعي المسؤول، ولذلك يجب أن نترك لهم المجال لطرح كل التساؤلات مع تحضير أنفسنا للإجابات المناسبة عليها، ودرس عن الإيدز مثلا ليس عيبا بقدر ما هو العيب أن لا يعرف الولد ما هي طرق الإصابة به، فيجب أن يكون هناك درس بهذا الخصوص في المرحلة الإعدادية مثلا، وتترك الفقرة الأخيرة في كل درس علمي ليشرك بفقرة اجتماعية أو أخلاقية أو دينية.

هذا المنهج الدراسي يجب أن يكون متكاملا من الناحية العلمية والدينية والأدبية والثقافية، إضافة إلى ضرورة التخفيف من الفصل بين الجنسين في المجتمع، ويكفي أن نرى تظاهرات الشباب المجنونة أمام المجمعات التجارية الممنوع عليهم دخولها لنعلم أن ثقافة المناعة لا المنع هي ما يجب أن نسعى إليه خاصة إذا علمنا أن الإعلام الإلكتروني والتلفزيوني كثيرا ما يقوم ببعث رسائل مضادة لما تسعى إليه الأسرة والمدرسة، ويبقى أمر هام هو ضرورة الانتباه إلى ما يوجد في السوق من ملابس تتنافى مع ثقافة الحياء كقمصان مكتوب عليه كلمات جنسية باللغة الإنجليزية، فيجب أن يعاقب من يدخلها إلى البلد لا أن يلاحق المراهق الذي بطبعه يميل إلى التمرد وإثبات الذات ولو بطريقة خاطئة