كان للفارابي آراؤه الجميلة حول المجتمع اليوطوبي "المثالي"، إذ كل قيم العدل والمساواة متوافرة بلا أي فوارق عرقية أو اجتماعية، وهذه المواصفات التي فشلت كل فلسفات الدنيا في تحقيقها على أرض الواقع، التي انشغل المسؤولون عن منتخبنا الوطني في سبيل تحقيقها فكانت النتيجة هي التوغل أكثر في عالم اللاعدل واللا مساواة.

يريد المسؤول أن يحقق مبدأ "سددوا وقاربوا"، ويجعل من تشكيلة المنتخب مزيجا من لاعبي الأندية المتناحرة إعلاميا وتدوير الخانات بين أفرادها، كي يثبت الحياد عن طريق تقديم عدل ومساواة غير منطقية، فكانت أولى النتائج السلبية فقدان الثبات في تشكيلة المنتخب، وتزايد حالات التذمر من فقدان العدل والمساواة في تشكيلة المنتخب، جعلت المسؤول يعيش صراعا سيزيفيا مع جماهير الأندية المتنازعة.

وفي دورة الخليج شهدت مدرجات الوطن عزوفا جماهيريا يرسخ الاعتقاد بوجود حالة اعتراض شعبية عارمة على المسؤولين عن المنتخب، فهذا العزوف الجماهيري ليس فقدانا للوطنية بقدر ما هو فقدان للرضا عن إداراة المنتخب وعن طريقة تعاملها مع الأندية.

وهذه هي الرياض المدينة المضيفة، الرياض مدينة الصخب والضجة الجماهيرية، تستقبل دورة الخليج باحتفال باهت فاقد للصخب الجماهيري، ولكن جماهير اليمن حملت لواء الحضور والمؤازرة، فكانت هي ملح هذه البطولة وحلتها البهية وصوتها الصاخب، والسبب الأول لنجاحها حتى كدنا نظن بأن البطولة مقامة في صنعاء وليست في الرياض.

وجدنا روح الانتماء الجارفة عند الجماهير اليمنية، إذ يقف الكل سواسية أمام منتخب الوطن مع غياب تام لأسماء الأندية وهذا ما جعل أنصار المنتخب اليمني يؤمنون إيمانا تاما بأن أفراد الفريق اليمني في الحقيقة يمثلون الوطن لا الأندية.

الفكرة السلبية التي تسيطر على عقل المشجع السعودي منذ فترة تتجاوز العقد من الزمن أنه يظن أن إدارة المنتخب تحابي بعض الأندية على حساب البقية، وتفضل نجوم ناد معين على حساب نجوم بقية الأندية، وهي أفكار تكونت مع مرور السنين، حتى صارت مثل الحقائق الدامغة بالنسبة له، وأصبح المشجع السعودي يعتقد أن المنتخب السعودي يمارس كل عمليات الاضطهاد والظلم تجاه نجوم ناديه المفضل.

كل هذه الأفكار المتكونة مع الزمن كانت نتيجة تراكمية للحضور السعودي الباهت في دورة الخليج، وهي إرهاصات لمستقبل يبشر بمزيد من حالات التعصب والاحتقان بين جماهير الأندية، فليس أمام المسؤول إلا أن يطبق قاعدة "البقاء للأفضل" حتى لو كان هذا الأفضل ينتمي لناد يقبع في هجرة نائية، فكل محاولات التقريب والتسوية القديمة لإرضاء الأندية الجماهيرية، أثبتت فشلها الذريع، وجعلت المجتمع اليوطوبي الذي أراد المسؤول أن يطبقه يعود بنا إلى الوراء سنوات طويلة.