لو سألت أي متابع حصيف للواقع النقدي في الصحافة السعودية، وحددت مقالات الدكتور محمد القنيبط، لأكد لك أن الدكتور هو الوحيد من بينهم الذي يمارس التخصص المحصور والمحاصر في النقد، فهو لا يتعدى أسوار جامعة الملك سعود ومديرها السابق عبدالله العثمان، ونعتقد أنه سيضيف: ولأن العثمان قد ترك منصبه، فالأمر سينتقل إلى الجديد بدران العمر، لكن "يا قوة الله" لم يظهر حتى الآن ما يبدأ به القنيبط سلسلة انتقاداته، حيث لم يقدم له العمران مادة نقدية عن سيارة غزال جديدة أو كرسي بحث لم يسدد صاحبه أتعابه!

تلك التوطئة ليست جديدة وجميعنا نعلم تخصص القنيبط بالجامعة، لكن هذا لا ينفي جرأته وشجاعته حتى خلال سنين ما قبل العثمان، حينما كان يكتب زاوية أكاديميات في مجلة اليمامة، تلك التي بدا لي أنني من أكثر من استفاد منها، فخلال النصف الأول من التسعينيات الميلادية من القرن الماضي كنت حوله وقريبا منه، ألتقط بين الحين والآخر بعض قرّاءه وقراء الدكتور عبدالله الفوزان لأدعوهم لقراءة مقالي المتواضع الذي يقع في الصفحة التي تليهما وقبل الرياضة تحقيقا لرغبة كاتب هذه السطور، وحققها الزميل إدريس الدريس بأن لا يتوسط مقالي صفحات الرياضة لأنه قد يكون عن شأن لا يخصها!

ما علينا من هذا، إلا أن الأكيد أن تلك الأكاديميات كانت من القيمة العالية أن غيرت أشياء كثيرة ونبهت إلى مفاهيم متميزة، غير لغة النقد الراقي التي كان يستخدمها الدكتور القنيبط، وأحسب أنها في وقعها النقدي العالي القيمة قد كانت السبيل لانتقال الدكتور ليكون عضوا في مجلس الشورى.

ورغم التاريخ النقدي الحافل الذي أوصله إلى مراتب قيادية تقديرية عالية، إلا أن التساؤل ظل لحوحا! ما الذي غير الرجل إلى التخصص المباشر بالجامعة، حتى بعد ترك العثمان لها؟ هل هو انتماؤه لها؟.. هذا ما بدا لي وأنا أرى بعضا من تغريداته التويترية الحالية تلاحق المدير الجديد بدران العمر بالمطالبات والتحذيرات، وكأن قلمه بات وقفا من أوقاف الجامعة لا يكتب إلا من أجلها، وكأنه ينتظر ما يبدأ به ليخطه على ورق الصحيفة!

من وجهة نظر شخصية أعتقد أن المبالغة بملاحقة الأخطاء قد تفسد النقد وتجعل أصحابه بعيدين عن المنطق السليم والرؤية الموضوعية، حتى لو كانوا بقيمة فكرية عالية كما هو الدكتور العزيز، لا سيما وأنه بات يقحم العاطفي بالحقيقي، حتى أصبح يحمل لقب "السيف المصلت على جامعة الملك سعود"، ورغم ذلك لا ننفي أن اندفاعه انطلق من زاوية الرؤية التي تختلف في درجتها واتساعها بين من هو داخل الجامعة ومن هو خارجها، وهو ما جعله يمارس النقد وتقمص دور المعارض وإثارة الأسئلة لنقد أي نشاط أو عمل أو تصرف معين من قبل أشخاص مسؤولين في مجال اهتمامه -الجامعة- ووسط الأماكن التي يعرف عنها أكثر من غيرها، ولا ننكر عليه من خلالها التركيز على الجانب الفارغ من الكأس على أساس أن الجانب الممتلئ يمثل جزءا من الوضع الطبيعي أو ما يجب أن يكون، ونحن هنا لم ولن نطالبه أن يكون كما الدكتور عبدالرحمن السدحان مادحا حد المبالغة بمنح الإشادة بالنصف الممتلئ حتى تجاوز بإطلاق مسمى العهد العثماني.. لكن ظل تكرار الأمر في كل مقال ورد يوحي بأن الأمر زاد عن حده!

دكتورنا العزيز: نتمناك مريحا ومستريحا من الجامعة لأنها بنقدها قد بلغت لدى كثيرين حد الملل، وبما جعل اسمكم مرتبطا بنقدها والتأليب عليها خلال العهد العثماني "كما سماه السدحان عفى الله عنه".. نتمنى عودة الأكاديميات المؤثرة، والابتعاد عن "العثمانيات" المملة، لأن الوطن ليس جامعة الملك سعود فقط.