مشهد الطفل السوري الذي يجتاز تقاطع إطلاق نار شرس كي ينقذ أخته بكل شجاعة، يستحق أن يحصد عشرات الملايين من المشاهدات لو كان مشهدا حقيقيا، ولكنه كمنتج فني يعدّّ عملا تافها مبتذلا، ضعيفا إنتاجيا، لم يكن ليحقق ولا ألف مشاهدة لو تمّ عرضه على حقيقته. ونتج فرق "السعر" هنا عن خدعة لا أخلاقية قام بها منتجو الفيلم، حين أوهمونا بواقعية الحدث! ذلك أن الناس تقبل من الواقع ما لا تقبل من الخيال!
إن ملايين المشاهدات التي حصل عليها الفيلم هي نتيجة غش تجاري، ليس إلا! ومن الواضح أن الغرض من هذا الفيديو، وتسريبه بهذه الطريقة، ثم الاعتراف بأنه مجرد فبركة، هو خلق الشك لدى المشاهد تجاه كل حدث يتم بثه عبر الإعلام الجديد، وتشويش حكمه على ما يراه، وتأجيل إطلاق مشاعره الإنسانية حتى لا يشعر بالحرج حين يكتشف ـ فيما بعد ـ أنه تعرض لخدعة، كما شعر الجميع بهذا الخجل بعد أن أبكاهم ذلك الطفل "الممثل"، كأنهم يقولون لك: حين ترى أي حدث مثل هذا فعليك أن تحبس دموعك في محاجرها لبضعة أيام! وحين تفعل فستبقى هذه الدموع في محبسها إلى الأبد.
يقول مخرج الفيلم النرويجي: "الهدف من الفيلم هو تسليط الضوء على معاناة الأطفال في مواقع النزاع"، ولكن الذي حدث هو لفت الانتباه إلى التضليل الإعلامي، والكذب الممنهج، وتشكيك الناس في حدسهم، وصلاحية بوصلة مشاعرهم. ولا ينطبق هذا على آحاد الناس فقط، بل خدعت به وسائل إعلام عربية وعالمية كان المؤمل فيها أن تكون أكثر فراسة وحنكة.