تحتاج شجرة (العرعر) إلى 300 عام مكتملة كي تصل لارتفاع 7 أمتار، لكن ذات الشجرة لم تكن تحتاج سوى 7 ثوان كي تتحول إلى حطب جاف بمنشار كهربائي! هذا ما شاهدته في المقطع "اليوتيوبي" المبكي الذي رصد آلاف الأشجار تحت رحمة المنشار من أجل تحويل الغابة إلى شوارع إسفلتية. احتاج جبل (أبو مخروق) في (ملز) الرياض إلى آلاف السنين كي يتشكل كمخلوق إعجازي عجيب، ولكنه لم يكن يحتاج سوى بضع جرافات لتحويله إلى مجرد (رسمة) نشاز في قلب الحديقة الإسمنتية تحت مسمى التنمية. احتاجت واحات صحراوية مثل بيشة ونجران، أيضا، إلى آلاف السنين كي تستوطن كل تاريخها هاتان الواحتان الأسطوريتان، ولكنهما اندثرتا حين تدخلت يد التنمية الغبية لبناء (سدين) على أعالي الواحات.. تماما.. مثل من يقفل الشريان (الأورطي) عن باقي الجسد. نحن فعلنا هذا القرار الإداري الخاطئ أيضا مع سهول تهامة الزراعية حين بنينا كارثة سد وادي (بيش) تحت كذبة تخزين الماء رغم أن الأرقام المؤكدة تبرهن أن تكلفة المشروع كافية لبناء ثلاث محطات تحلية تنتج في العام الواحد ضعفي قدرة هذا السد على التخزين.
عاشت مدينة مثل أبها مئات السنين على تراث واديها الأخضر السيال الذي تقول عنه إحدى الدراسات العلمية أنه يضم ألفي نوع من الأشجار والنباتات المرصودة تحت الاسم العلمي اللاتيني لأصناف النباتات والشجر، وها نحن اليوم نتفرج بلا حول أو قوة على المشروع التدميري لتحويل الوادي إلى عبارة تحت ضغط عقلية التنمية التي تعشق البلاطة والإسمنت.
وخلاصة المقال أن مشاريع التنمية لدينا تذهب في خط معاكس هدفه قتل الطبيعة وترسيخ العداء مع الجماليات القليلة الفقيرة في محيطنا البيئي. وخذوا هذه الأمثلة في النقيض من تجارب الآخرين: لا تخترق جبال (الروكي) الأميركية من أنظمة (الهاي واي) سوى ثلاثة طرق ويحظر القانون شق طريق جديد إلا بموافقة قرار فيدرالي. لا يوجد من الطرق السريعة سوى رابط واحد بين أهم ثلاث مدن في شمال إنجلترا (برمنجهام، مانشستر، ليدز) تحت ضغط حماية الغابات رغم أن بريطانيا كلها غابة واحدة.
أختم: يؤسفني أن فكرة التنمية لدينا برمجة غبية لإعدام ممنهج للوادي والشجرة والجبل والصخرة. التنمية لدينا فكرة تجفيف لا تستغرق سوى ساعات قليلة لقتل ما يحتاج إلى مئات السنين للاكتمال والتشكل.