مازالت أخلاقيات العمل الإعلامي في عالمنا النامي لم ترق إلى المستوى المأمول به، وذلك نتيجة أن كثيرا من الكليات التي تدرس هذا التخصص تركز بشكل كبير على التقنيات والأدوات والفنون أكثر من الجانب المعنوي وأساليب تأثيره في المجتمع، باعتباره الأداء الأهم في تكوين الرأي العام بقضاياه وهمومه كافة.
كتب الكثيرون حول هذا الشأن، ولكن يبدو أن الانفتاح الذي قد يبدو للمراقب أنه حقيقي لم يعِ بعد أن الإعلام التقليدي على وجه الخصوص عليه مسؤولية أكبر من تلك التي تتجلى على شبكات التواصل الاجتماعي، فاستمر في ركب موجة الإثارة سعيا منه لكسب أكبر قدر ممكن من المتابعين والقراء، وذلك على حساب الجوانب الأكثر أهمية والمتمثلة في التأثير الحقيقي والنقل الأمين والموضوعي.
نشر صور الأطفال الفقراء أو المعنفين يعد أمرا غير أخلاقي في الأعراف الإعلامية كافة، ففي المجتمعات التي تحترم مواطنيها توجد قوانين صارمة تحمي الأطفال، وتمنع وسائل الإعلام من نشر أي صورة أو تصريح لأي طفل مر بتجربة تعنيف أو جريمة أو أي موقف سلبي، ما لم تكن هناك موافقة خطية من قبل ولي أمره، وذلك في مسعى لحماية ذلك الطفل من تبعات ذلك التصريح أو الصورة على حياته التي قد تؤثر سلبا عليه على المدى القريب، والبعيد أيضا.
التصريح بأسماء ضحايا الأعمال الإجرامية دون الإشارة باسم وصورة من تمت إدانتهم في تلك الجرائم هو كذلك أمر فيه من اللاأخلاقية المهنية، فما ذنب الضحية من جهة وأقاربه من جهة أخرى في أن يتم إقحامهم في مسرحية إعلامية يتداولها الجميع على ألسنتهم، فتضاف الإشاعات وتقحم الاتهامات دون دراية وعلم، في وقت ينتظر هذا الإعلام الذي يدعي احترام حقوق الإنسان تصريحا رسميا من الجهة المعنية بإدانة هذا المتهم أو ذاك!
لسنا هنا نعمل على فرض رقابة على الإعلام كما قد يقول البعض، ولكن الالتزام بقوانين أخلاقية أمر لا بد منه، وهو أمر يوازي في أهميته القوانين التي تفرض لأسباب أمنية أو سياسية، فالتصريح بالأسماء والصورة الذهنية التي تخلقها عن البشر أمر ينبغي التوقف عنده ومراجعته، لأنه في غاية الأهمية، من أجل ضمان مستقبل مستقر لمن مر في حياته بظروف غير مستقرة.
لا بد أن يتوقف هذا الإسفاف الإعلامي الذي تجاوز الحدود الإنسانية والأخلاقية، فلا فائدة من إعلام يؤثر في المجتمع، ويعمل على تغيير الأنماط السلبية فيه إن كان يتبع فلسفة الصحافة الصفراء، وهو ما أصبح للأسف السمة الغالبة في كثير من وسائلنا الإعلامية التي تسمى محترمة!