نعرف معرفة تامة، أن نزول أسعار البترول إلى "80 - 89" دولار للبرميل، سيؤثر على الميزانيات والبنود.. ونعرف أن وزارة المالية مسؤولة أمام الملك لدفع البنود وعدم تأخير الاستحقاقات.. ونعرف أن وزارة المالية ستسأل عندما لا يتم دفع تلك الاستحقاقات في وقتها، ونعرف أنه من المفروض غربلة البنود في حالات عديدة منها عندما تعد الميزانية على أساس سعر محدد لبرميل البترول الذي يشكل النسبة الأكبر من دخل الدولة والمتحكم الرئيس في الميزانيات.. نعرف ذلك كله ونتجادل حول بعض المجالات التي ستصيبها مصيبة الترشيد.. لكننا لا يجب بأي حال من الأحوال أن نتجادل حول مجالات أخرى.. ومن تلك المجالات التي لا يجب أن نتجادل حولها هي الغذاء والتعليم والصحة.. تلك مجالات تمس كل المواطنين بل وتسحق البعض ممن دخولهم متدنية.. الدولة يا وزارة المالية لها إنجازات متميزة في مجالات الغذاء والإسكان والصحة والتعليم، وهي سائرة بإذن الله لإكمال المسيرة والقضاء على السلبيات الموجودة في تلك المجالات، إلا أن توصيتكم بإلغاء المنح الداخلية للدارسين السعوديين في الجامعات الأهلية، هي بمثابة الشد للخلف لتلك الجهود.. أنتم الأدرى بخفايا الوزارة وأنتم الأعرف بالبنود التي يمكن أن يطالها الترشيد والتي لن نختلف عليها، فلماذا السعي إلى بندِ محدد له تأثير سلبي شديد على حياة المواطنين؟
التعليم والصحة والسكن، مشكلات ملحة، وتتطلب المزيد من الاهتمام، والمزيد من الدعم.. هناك من المجالات ما يحتمل الترشيد وما يحتمل التأخير، إلا أن هذه المجالات وبالذات مجال التعليم الذي نتحدث عنه اليوم لا يحتمل الترشيد ولا يحتمل التأخير.. مجال التعليم مرتبط ارتباطاً أساسياً باقتصاد المعرفة إذا تحدثنا بلغة الاقتصاد.. والعالم المتقدم استطاع إلى حد الآن أن يبني 50% من اقتصاده على اقتصاد المعرفة المرتبط مباشرة وبشكل أساس بالتعليم، وهو يسعى إلى إكمال الـ 50% الأخرى بسرعة قصوى لا بالسرعة الممكنة.. وهو بذلك يعطي التعليم الأولوية لأنه بوعيه يدرك أن التعليم مسؤول وبشكل مباشر عن تقدم كل مناحي التنمية..
أذكر مقولة شائعة لواحد من زعماء الدول المشهود لها بالتقدم عند مناقشة مشكلات اقتصادية في مناح متعددة للتنمية، قال: "ابحثوا مشكلة التعليم فقط وعالجوها وستحل كل المشكلات التي تناقشونها الآن". التعليم له ارتباط بإنسان المدينة والقرية والفقير والغني وله ارتباط بالاقتصاد.. وبه تتم المنافسة.. وبه بعد الله ننفذ من الأماكن المتخلفة لنحتل أماكن متقدمة.. هل يعلم مسؤولو وزارة المالية أن الوظائف في سوق العمل تتغير بين: أربع، وست سنوات، ولا بد من تدريب جديد لكل العاملين بين تلك الفترات، ولا بد من تجديد المناهج ودعم الجامعات، وزيادة برامج التعليم بكل أشكاله: العام، والعالي، والأهلي، والفني، حتى لا يكون متخلفاً عن الركب.. والتوصية بإلغاء برامج المنح الداخلية يضعف الجامعات الأهلية بل ويعطل برامجها التطويرية بسبب قلة الدعم.. وفي المقابل استمرار الدعم لهذه الجامعات، ومحاسبتها، وطلب تقارير دورية عنها عن طريق مؤسسات الاعتماد الرسمية المرخصة عالميا لتعمل بجانب أخواتها الحكومية، هو القرار السليم.
التعليم والصحة والسكن اللائق تمثل الجزء الأكبر من ميزانية الدولة خلال السنوات الماضية، ولذلك انتشر التعليم العام والجامعي في جميع مناطق ومدن وقرى المملكة، وتطورت آليات التعليم ووسائله، وتنقل لنا الأخبار دائما وعن طريق وزراء التعليم أننا نحقق إنجازات ريادية على مستوى العالم، كان آخرها فوز عدد من طلابنا وباحثينا وأطبائنا بميدالياتِ إنجازاتٍ نوعية في مجالاتِ علمية بالرغم مما يعتري التطوير من صعوبات وما يواجهه في الماضي من معوقات كان أبرزها المعوقات المالية، إلا أننا في السنوات الأخيرة نشهد دعماً غير محدود للتعليم.. فعلى سبيل المثال هناك مشروع خادم الحرمين للابتعاث الذي يلتحق به الآن أكثر من 130 ألف طالب وطالبة في جميع أنحاء العالم وفي جميع التخصصات.. وتطورت المناهج باعتماد مناهج للرياضيات والعلوم لا تقل عن أفضل مناهج في العالم وتتماشى مع العصر الرقمي ذي المنافسة الشرسة.. ويتعرض المعلمون الآن للتدريب المكثف داخلياً وخارجياً ورفع مستوى تأهليهم في كليات الإعداد.. والمباني يتم تطويرها لتتناسب مع متطلبات العصر.. وقافلة التطوير تسير في هذا الاتجاه، إلا أن قرار التقليص يحرف مسيرتها.. الذي يستمع للأمير خالد الفيصل لا يسعه إلا الشعور بالبهجة العارمة جراء ما يسمعه منه حول التعليم العام من رؤى وطموحات وبرامج وخطط، إذا ما تحققت ستوصلنا للعالم الأول بإذن الله.. وفي التعليم العالي وبتوجيهات القيادة وبالعمل الدؤوب بقيادة وزيرها النشط ومعاونيه تطور التعليم العالي كماً بتضاعف عدد الجامعات مراراً، وكيفاً بالسعي الحثيث ليكون التعليم العالي مواكباً للعصر، وبالارتقاء بسوق العمل عن طريق تبني حزمة من البرامج النوعية منها: فتح المجال للجامعات والكليات الجامعية الأهلية للمشاركة في الرسالة الجامعية، وفق ضوابط وشروط للجودة الأكاديمية تضمن الحفاظ على مستوى التعليم الجامعي، ومنها برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للابتعاث.. ومنها قرار خادم الحرمين الأخير تمديد الابتعاث الخارجي لتخصصات محددة لمدة خمس سنوات قادمة، والتركيز على الدراسات العليا، وتخصصات: الطب، والهندسة، والعلوم، وإدارة الأعمال، حسب احتياجات سوق العمل.
يا مسؤولي وزارة المالية: وأنتم المشغوفون والمشغولون بالأرقام، نورد لكم الحجة على ضرورة استمرار الابتعاث الداخلي للجامعات الأهلية بأنه الأوفر وكذلك يدعم المسيرة والخطط، وقبلها توجهات قائد المسيرة.. تكلفة دارس الطب في بلادنا 120 ألف ريال، وفي الخارج 350 ألف ريال.. تكلفة منحة الطالب الدراسية الحكومية في كليات الطب الجامعية الأهلية ببلادنا 70 ألف ريال.. وفي مجال دراسة الأعمال يكلف الطالب في الخارج 200 ألف ريال، ومنحة الطالب في الجامعات الأهلية في بلادنا 40 ألف ريال فقط.
هذه فقط أمثلة يجب الاقتناع بها؛ لأنكم تتعاملون مع الأرقام، والأرقام تحمل المنطق وليس لدي شك بأنكم تؤمنون بالمنطق وبالأرقام.. وبعد كل ذلك هل يرى مسؤولو وزارة المالية صواب قرار استمرار دعم الجامعات الأهلية باستمرار المنح الدراسية فيها؟ نرجو ذلك.