مشكلة توظيف الخريجين تتعقد بفعل التراكم، فالجامعات تخرج الآلاف في مختلف التخصصات سنويا، وحين لا يتم توظيف وتعيين نسبة كبيرة منهم، فإننا في الواقع نحصل على معادلة تراكمية في البطالة، لأن المشكلة الأساسية أن الجامعات لا تراعي في أنظمتها توفير تخصصات دراسية بحسب حاجة سوق العمل واستراتيجيات التنمية، إلى جانب عدم وجود معالجات فاعلة ومنظمة ومنهجية لاستيعاب الخريجين حتى ولو بصورة موقتة في أعمال إنتاجية بالتنسيق والتعاون مع القطاع الخاص.
ما تصعب معالجته هذا العام يزداد صعوبة وتأزيما في العام التالي، وهكذا نضيف إلى أثقالنا في التوظيف محصلة تعطيل إضافية لتذهب جهود وزارة العمل والخدمة المدنية وغيرها من الوزارات مثل الصحة والتربية والتعليم أدراج الرياح لأن طاقتها الاستيعابية أقل بكثير من الأعداد الكبيرة التي تستحق التوظيف، خاصة أننا نفتقد لأي أفكار إنتاجية تتعلق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة مما يضطر الخريجين للتفكير في الوظيفة كبوابة وحيدة للحياة العملية.
للتدليل على المسألة التراكمية في معاناة الخريجين الذين يتواصلون معي في مختلف التخصصات، أستشهد بحالة خريجي وخريجات التربية الخاصة، وفي خريطتهم الزمنية بدؤوا رحلة البحث عن وظيفة في عام 1432 حين تم استدعاؤهم من الخدمة المدنية للمطابقة وتمت بالفعل مطابقة البيانات واجتياز المطابقة، غير أنهم ما لبثوا أن تفاجؤوا باستبعادهم، ولم يشمل ذلك نسبة كبيرة منهم في المفاضلة بحجة عدم استلام الوثيقة.
وفي عام 1432 صدر أمر ملكي بتعيين جميع خريجي الجامعات، ثم وفي عام 1433 وفي شهر جمادى الأولى منه تم تأجيل الاحتياج للمفاضلة إلى شهر رمضان وضم الدفعات أثناء تأخير المفاضلة، وفي الشهر نفسه نزل في احتياج التربية الخاصة بجميع مساراتها 200 رقم وظيفي مما اضطرهم لرفع خطاب تظلم إلى الديوان لاستبعادهم من المطابقة، وبعد ذلك في عام 1434 نزل احتياج أقل من السنة الماضية رغم احتياج الميدان ليتكدس بذلك خريجو التربية الخاصة الذين خاطبوا وزارة الخدمة المدنية التي أفادتهم بأنها غير مسؤولة عن استحداث الوظائف، وأحالتهم لوزارة التربية والتعليم.
الثابت في مسألة الاحتياج أن هناك دراسات معتمدة صدرت من مركز الأمير سلمان للأبحاث والإعاقة تفيد بأن الاحتياج الميداني لوزارة التربية والتعليم في جميع مدارسها كبير جدا، ويقدر احتياجها لعشرين سنة قادمة، وأقر المركز بأن نسبة احتياج صعوبات التعلم بعدد المدارس الابتدائية فقط يقدر بحوالي 21 ألف معلم ومعلمة للصعوبات التعلم فقط، من واقع نسبة انتشار صعوبات التعلم في المجتمع التي تقدر بحوالي 10%.
تلك الصعوبات والمعاناة التي واجهتهم قادتهم إلى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بعد تعيينه وزيرا للتربية والتعليم في عام 1435، وبادرت مجموعة من الخريجين والخريجات لمقابلة سموه وشرح القضية له كاملة مع إفادته بدراسات وإحصائيات وتزويده بإحصائية مركز الأمير سلمان، وأمر سموه بالتحقيق فيما تعرضوا له من تسويف، وقيام الوزارة بمحاسبة المخطئ في تأخير تعيينهم، وبالفعل عقب ذلك تم الاتصال بهم من قبل نائب الوزير الدكتور خالد السبتي وتم استقبالهم بصورة راقية وتفهم المشكلة، وإفادتهم بمعاناتهم ووعدهم بالنظر في القضية.
التالي لذلك أنه تمت إعادة فتح تحويل المعلمين من التعليم العام إلى تعليم التربية الخاصة، وتهميش المتخصصين من خريجي التربية الخاصة لسد الاحتياج من المعلمين ممن هم على رأس العمل ومن يأخذ دورات يتم تحويله لمعلم تربية خاصة، وبذلك تتعقد المشكلة ويبعد حلم التعيين ليصبح كابوسا يغلق الأبواب أمام هؤلاء الخريجين، وبالنظر إلى قيمة التخصص فإنه لا يمكن قياسه بمن يأخذ دورات ليتم استبداله بمن تخصص، فتلك منهجية غير دقيقة تتطلب من مقام وزارة التربية والتعليم أن تفي بوعدها في إعادة النظر بحسب توجيهات سمو الأمير وتفهمه للمشكلة حتى لا يبقى هؤلاء معلقين كشهاداتهم في حائط البطالة العريض بكثير من الخريجين.