الحب لا يقبل التعليل، إلا محبة المحكوم للحاكم فلها سبب منطقي دائما وهو شعورها أنها سعيدة في عهده. وقد وسع قلب أبي متعب شعبه ولو قلنا ما عرفنا من طيبته لظن ظان أننا نبالغ ولكنها الحقيقة. التفاف الشعب حول قيادته في أحلك أيام الوطن كان مؤشرا، حيث إن لشخصية خادم الحرمين ولقراراته الحكيمة الدور الكبير في تجاوز عنق الزجاجة في أكثر من أزمة لدرجة أصابت أعداء الوطن والمرجفين باليأس والإحباط.

مرّ زمن كنا في مقدمة معظم الدول العربية عامة والخليجية خاصة في مجالات منوعة كان من بينها ابتعاث الطلاب للدراسة خارج المملكة؛ وكنا في الثمانينات بدأنا نجني ثمار المبتعثين من أساتذة يملكون رؤى مختلفة عن الحياة والتعليم والإنسان؛ رؤى لم تكن تتصادم أبدا مع المجتمع لولا أن هناك من صورها عمدا أو جهلا على أنها كذلك وحول السفر للخارج لطلب العلم إلى ما يشبه الوحش الكاسر.

كنت من جيل وقف في المنتصف فقد صادفت في نهاية عام 1413 توقف ابتعاث طلبة الجامعات وقصره على طلبة الماجستير والدكتوراه ومن فاته التقديم قبل نهاية ذاك العام ذهبت عليه موافقة الجامعات الأجنبية التي حصل عليها وقضي الأمر بالنسبة له كما حصل لكثر. مرَّت سنوات عجاف بدأ التعليم فيها يسير في مسارات مختلفة وما يحاربه الدكتور موافق الرويلي من شهادات وهمية في وسم (هلكوني) إلا أحدها!

وبدأ يحدث في التعليم تمييز من نوع آخر فالأسر الغنية ترسل أبناءها والأسر الفقيرة تغلق الجامعات أمامها إلا على معدلات مرتفعة كانت تتوجه عادة للدراسة خارج المملكة ولم يعد بوسعها إلا التنافس على المقاعد الجامعية وربما التخصصات التي اكتفى منها الوطن كبعض التخصصات التي غص بها قطاع التعليم. استمر النقص لتخصصات تحتاجها التنمية من قطاعات طبية وهندسية وغيرها واستمر التعليم يوجه طلابه للمنازل في مراحل دون الجامعة وقطاعات العمل والتدريب تعتمد اعتمادا رئيسا على كل أجناس الأرض إلا المواطن السعودي الذي ينقصه التدريب والتعليم والتأهيل المناسب.

أصبحنا آباء وأمهات نبذل الكثير من المال والجهد في تعليم أبنائنا حتى لا يحرموا من مقعد في تخصص مناسب لميولهم أو وظيفة مستقبلية قد لا تحصل أبدا؛ ورافق ذلك الإحباط الذي أصاب الطلاب والطالبات وهم وهن يشاهدون نماذج ممن فاتهم قطار التعليم.

الاستعراض السابق كان يعبر عن أزمة تم تجاوزها بحكمة شديدة منذ بدأ عهد الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -، الذي دعم الجامعات الحكومية ورفع ميزانياتها ولا أنسى جهود وكيل وزارة التعليم العالي السابق الدكتور العطية، الذي فتح مراكز لخدمة المجتمع تابعة للجامعات تمهيدا لتحويلها لجامعات جديدة، لأن استحداث جامعة أكثر صعوبة من تحويل مركز جامعي لجامعة فكانت خطوة رائدة. كما سُمِحَ بإنشاء الجامعات الأهلية أصبح عدد منها اليوم يحتل مركزا مهما.

يقول الدكتور عبيدالله اللحياني أستاذ الإدارة التربوية: "تضاعفت ميزانية الإنفاق على الجامعات السعودية من حوالي 418 مليون ريال عام 1425 - 1426 إلى 1818 مليون ريال في الميزانية الحالية بنسبة زيادة حوالي 435%". (صحيفة الجزيرة 4/5/1434).

وتقول الكاتبة أحلام الزعيم: "تجاوزت نسبة الالتحاق بالتعليم الجامعي نسبة 90% من خريجي المرحلة الثانوية، حيث عملت الوزارة على تلبية الطلب المتزايد على التعليم العالي". (صحيفة الجزيرة 27/ 5/1433).

وفتح أيضا باب الابتعاث الداخلي للطلاب والطالبات بحيث يمكنهم الدراسة في الجامعات الخاصة المعتبرة على حساب الحكومة كما فتحت مراحل الابتعاث الخارجي الذي أعلنت هذا الشهر المرحلة العاشرة منه. كما أنه يحق للطلاب الحاصلين على معدلات عالية من طلبة الدراسة الخاصة بالخارج الالتحاق ببرنامج الابتعاث الحكومي والتمتع بمزاياه.

وبنظرة لبلد واحد فقط يصل إجمالي المبتعثين السعوديين في أميركا حالياً إلى 87 ألفاً و387 طالباً وطالبة في مختلف التخصصات والمراحل، وذلك من بين 174 ألفاً و27 طالبا وحسب تصريح للملحق الثقافي السعودي بأميركا د. محمد العيسى توقع (وصول عدد الخريجين السعوديين من أميركا هذا العام إلى 11 ألف طالب وطالبة) تتاح لمن يرغب منهم فرص للدراسة وللتدريب بأميركا (صحيفة الحياة 1/3/2014).

التعليم وما ينفق عليه من مبالغ ارتفعت نسبتها من الناتج المحلي عام 2004 من 6.8% إلى 7.5% عام 2013.

نسبة كبيرة جدا مع اعتبار الزيادة الهائلة في الميزانية في عهد خادم الحرمين.

أقسم أحد الأصدقاء أن عهد ملكنا عهد ذهبي للشباب والبنات، أتاح لهم فرصا رائعة في التعليم؛ والتعليم بناء للإنسان وعلاقات بين حضارات وتقبل للآخر، فالابتعاث ليس لوظيفة أو عمل فحسب. وأقسم معه أنه كذلك فأي جهد هذا الذي يبذل للإنفاق على تعليم وأي وطن هذا الذي يعيد تشكيل نفسه لبناء الإنسان في عهد ملكنا المحبوب؟

أخيرا التعليم فرصة للقاء مع الآخر والانفتاح على المعرفة التي قد لا تتوافر في الوطن، وتكوين عادات وأخلاق إيجابية قد تغيب عن الشاب المعتمد على الحياة السهلة بين أهله. شكرا يا خادم الحرمين لقرار الابتعاث ونحن اليوم في مرحلته العاشرة وقد تم قبول جميع المتقدمين للدراسة، والشباب أصبح يؤمن أن أبواب المستقبل مشرعة له بعدلك.