فوجئت تماما بما سمعته من لسان المحامي الشاب الأنيق وهو يقول لي بحروف مكتوبة على بلاطة: لا يوجد اليوم ولا حتى سجين واحد في القضية المدونة بكارثة سيول جدة. هو المحامي ذاته الذي ترافع نيابة عن أشهر الأسماء المتهمة في الكارثة. وكنت قبل لقائي العابر معه أشعر بالشفقة على سجن (بريمان). كنت أظن أن السجن الشهير بحاجة إلى توسعة، مثلما هو بحاجة إلى (تهيئة) لاستضافة بعض رموز المال والأعمال المتهمين أو (المدانين) على خلفية الكارثة. خذ مثلا من خيالاتي البراغماتية فيما قبل لقائي الصاعق بهذا المحامي الاستثنائي أنني كنت أفكر خيالا أيضا: كيف يستطيع سجن بريمان أن يضع (علي سعد الموسى) مع هؤلاء الذوات من كبار (البيزنس) في عنبر واحد؟ وخلاصة لقائي المدهش المثير مع هذا المحامي الممتلئ بكل ما يمكن تخيله من ثغرات القوانين أنني خلصت لما يلي:

الخلاصة الأولى: أن المليارات والملايين لا يمكن أن تخذل أهلها في نهايات العمر ولا يمكن لها أن تتخلى عن أصحابها عند ورطة طارئة. الخلاصة الثانية: أن أسوار هذه السجون قد ترتفع بقدر ميلين إلى عنان السماء من أجل بعض مما يلي: من أجل مواطن تهرب من دفع إيجار شقة فقادته إدارة (تنفيذ الأحكام) بالحقوق المدنية (مكلبشا) بقدميه. من أجل مقيم وافد لم يستطع دفع فاتورة إصلاح سيارة (المايباخ) لثري صدمه في حادث عند الإشارة، ويحتاج معها لأن يعيش هذا الوافد المقيم ثلاثة أضعاف عمره الافتراضي كي يستطيع شراء (دفرنس) هذه السيارة الفارهة. من أجل المواطن الذي فشل عن سداد قرضه البنكي الغبي فوجد نفسه أمام قوانين (سمة) وكارتيل جيشها من المحامين الأشاوس. والخلاصة المدهشة التي اكتشفتها في أول جلسة في كل حياتي مع محام من العيار الثقيل: أن أبواب السجون لا تفتح ولا تغلق من أجل آثار غيمة أو ليلة ماطرة، ولا لإيداع الأسماء اللامعة في عنبر خصوصي للذوات ولأهل البيزنس. الخلاصة أنني اكتشفت أن المليارات قادرة أيضا على إنقاذ أصحابها، وبالقانون والنظام ودون أي غلطة شرعية أو قضائية واحدة. عموما هذا المحامي اللامع هو من امتنع في نهاية اللقاء عن قبول مرافعتي ضد (سباك) لأنه وكما قال: العظمة ما عليها لحم... ومعه كامل الحق.