أثار إعلان "موبايلي" عن خفض أرباحها لعام 2013، وللنصف الأول من 2014، بمبلغ 1.43 مليار ريـال (381.2 مليون دولار)، ردود أفعال واسعة في الأوساط الاقتصادية، حيث اعتبر البعض هذا الإعلان مجرّد تبرير لمخالفة سافرة في القوائم المالية.

كما شبه البعض قضية "موبايلي" بفضيحة شركة "إنرون" الأميركية للطاقة التي قامت بتأسيس مئات الشركات ذات المسؤولية المحدودة ذات الغرض الخاص، بحيث يتم من خلالها الاقتراض ومن ثم تمويل عمليات الشركة، بهدف تعزيز قدرة الشركة على الاقتراض من البنوك وبيوت المال، وقد تم استغلال هذه المعالجة المحاسبية لدفن عمليات الغش والتلاعب والأخطاء المحاسبية، فانهارت أسهم الشركة وأعلنت إفلاسها، وتم إغلاق مكتب المراجع الخارجي (آرثر أندرسن).

التشبيه السابق للقضية ليس في محله، والسبب في أن المعالجة المحاسبية التي تمت في "إنرون" مختلفة تماماً عن المعالجات المحاسبية التي تمت في موبايلي، فقد بررت الشركة أسباب تخفيض الأرباح إلى المعالجة المحاسبية للإيرادات، فحسب ما جاء في بيان الشركة أن "عدم جاهزية منافذ الألياف الضوئية دفعها إلى عكس الأرباح التي كانت قد حجزتها سابقا في 2014"، وبالتالي فإن ما جرى من تغيرات على القوائم المالية ما هو إلا تغيرات دفترية تتعلق بتوقيت الاعتراف بالإيرادات.

في أدبيات المحاسبة هناك مبدأ "الاعتراف بالإيراد" (Revenue Recognition Principle)، ووفقاً لهذا المبدأ فإن الإيرادات تتحقق عندما يتم مبادلة منتجات (سلع وخدمات)، وتكون الإيرادات قابلة للتحقق عندما تكون هناك أصول مملوكة قابلة للتحويل إلى نقدية أو مطالبات نقدية، وذلك عندما تكون هذه الأصول قابلة للبيع أو التداول، وعلاوة على هذا الشرط (التحقق أو القابلية للتحقق) فإن الإيرادات لا يعترف بها إلى أن تكتسب وتتحقق فعلاً، فيتم تسجيلها في السجلات المحاسبية وتظهر في القوائم المالية للشركة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن القياس المحاسبي في جانب الإيرادات ليس علمياً في جوهره ويظل أمراً نسبياً، ولكن هناك معايير محاسبية متعارف عليها تحدد حالات الاعتراف بالإيرادات، ومنها معيار المحاسبة السعودي الذي حدد تعريف الإيراد وقياسه وأسلوب الاعتراف به والإفصاح عنه، ولكن عند تطبيق هذا المعيار على أرض الواقع يواجه المحاسبون إشكالات عدة فلا يستطيعون تحديد إجراءات الاعتراف بدقة بل بأسلوب تقديري في بعض الأحداث الاقتصادية للشركة.

وفي هذا الصدد تشير إحدى البحوث الأميركية إلى أن أكثر من "586 شركة يعتقد مديريها بأن أكبر خطر يواجههم هو الخطأ في الاعتراف بالإيراد ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى تعقيد نماذج الأعمال مما يصعب معه تطبيق أساليب الاعتراف بالإيرادات الكلاسيكية".

ولهذا فإننا نواجه في قضية "موبايلي" نوعا جديدا وتحديا في مجال تحديد وقياس العقود والتزاماتها في مجال الأعمال التجارية، مع أن البعض يرى أن ما حدث في اتفاقيات الشركة مخالفة صريحة للمعايير المحاسبية، وليس هذا وحسب، بل إن المعالجة المحاسبية للإيرادات في مجملها تلاعب من أجل تضخيم الأرباح وتجميل القوائم المالية!.

حيث أعلنت شركة اتحاد عذيب للاتصالات إلغاء اتفاقية حق استخدام مع شركة بيانات التابعة لموبايلي، مما نتج عنه تأثير بانخفاض في صافي ربح الربع الأول من العام المالي 2014م، بمبلغ (338.7) مليون ريال، ويرى البعض أن هذه الاتفاقية عبارة عن "إيجار طويل الأجل يعطي الحق الحصري، وغير المقيد، لاستخدام طاقة شبكة الاتصالات ذات الصلة، ومن خلال المعايير المحاسبية ذات العلاقة بمثل هذه النوع من الإيجارات فإنه يجب احتساب العقد وكأنه عملية بيع وتثبت إيراداتها، ولكن يجب ألا يكون هناك حق للمستخدم في التراجع عن العقد"، وعلى هذا الأساس كيف تقوم "موبايلي" بتسجيل الإيرادات وهناك شرط حق التراجع للطرف الآخر؟

في الحقيقة لا نستطيع الحكم على الشركة في هذه المعالجة المحاسبية إلا من خلال الاطلاع على شروط الاتفاقية، ومن ثم نتعرّف على أسباب الاعتراف بالإيرادات وكذلك الظروف المحيطة، علماً بأن الشركة قامت بتخفيض الأرباح نتيجة إلغاء الاتفاقية كما ذكر آنفاً، أما بالنسبة لبرنامج (ولاء العملاء) والقول بتسجيل أرباح لم تتحقق فعلياً، فهذه مسألة تقديرية توافقية، فهل يتحقق الإيراد لمجرد الإعلان عن الشركات؟ أم يتم تأجيله عند استبدال النقاط فعلاً من قبل العميل؟ وهنا يصعب التحديد.

صحيح أنه يمكن استغلال معايير المحاسبة من قبل المتلاعبين لتحقيق مصالحهم مثلما حدث في شركة "زيروكس" لتلميع صورتها في الأسواق المالية، وإعلانها اكتشاف أخطاء في المعالجات المحاسبية لعملياتها في المكسيك المتعلقة بتطبيق شروط تصنيف العقود الإيجارية، حيث تم تصنيف عقود إيجارية إلى أنواع أخرى غير مطابقة لهذه الشروط.

ولكن في الجانب الآخر، يمكن للشركات ابتكار نماذج للمعالجات المحاسبية للعمليات والعقود، ولكن بشرط أن تكون تحت أنظار الجهات الرقابية المختصة مثل هيئة السوق المالية، والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين.

وفي قضية "موبايلي"، يتطلب الأمر تدخل هيئة السوق المالية للنظر في معالجة هذا الأمر، والتحقيق مع مديري الشركة ومحاسبيها ومراجعيها ومتابعة المعالجات المحاسبية وخاصة اتفاقيات الشركة، وذلك لإعادة الثقة في سوق الأسهم السعودي، فقد بدأ الناس يدركون حقيقة أن سعر السهم لأي شركة لابد أن يكون عاكساً لأدائها وليس فقط لأسعار المضاربة فيها.

كما على الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين أن تنظر في إشكاليات تطبيق المعايير المحاسبية على أرض الواقع، خاصة أن المملكة تتجه نحو تطبيق المعايير المحاسبية الدولية التي سوف تدعم أوجه الاستثمار في البلاد، وبلا شك فإن عند تطبيق هذه المعايير سوف تواجه بعض الشركات صعوبة في المعالجات المحاسبية سواء لإيراداتها أو مصروفاتها، وربما تؤدي هذه المعالجات إلى خسائر فادحة أو إلى أرباح غير حقيقية لهذه الشركات.