قامت الدولة السعودية على منهج الاعتدال منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز، الذي وضع قواعد للنهج الوسطي، سواء تعلق الأمر بالسياسة أو بالثقافة العامة للدولة والمجتمع. وواجهت الدولة في سبيل تكريس هذا النهج المعتدل بعض التحديات، منها فتنة الإخوان عام 1347 / 1929 التي واجهها الملك المؤسس بالصرامة اللازمة من خلال حرب السبلة. وجاءت التململات التي صاحبت تعليم البنات الذي انطلق في عهد جلالة الملك الفيصل، وقابلها جلالته بحزم لتأمين استمرار مسيرة المرأة المتعلمة. ثم واجهتنا فتنة اقتحام المسجد الحرام عام 1400 / 1979 والتي تصدى لها الملك خالد بما يمليه عليه ضميره الإسلامي والوطني. وبعد ذلك المعارضات الصحوية لعملية تحرير الكويت وإبعاد الخطر العراقي عن أراضي المملكة، ورفعها لشعارات رفض قوات التحالف الدولية، والتي جوبهت من الملك فهد بالحكمة والمواجهة.
وبنظرة تحليلية فاحصة يلمس المراقب أن معظم هذه التحديات جاءت بأسباب تخوفات ذات طابع ديني أو اجتماعي وإن جاء بعضها لأهداف سياسية. ورغم أن المملكة استلهمت عقيدتها الدينية من المنهج السلفي إلا أنها كانت تركز على سلفية العقيدة التي تعنى بالتوحيد. فيما ظلت الأوجه الأخرى في الفقه والشريعة محل اجتهاد دائم من العلماء بما يسهم في خلق آفاق عصرية جيدة لتطوير الدولة والمجتمع.
لكن هذا الأمر لم يكن مقنعا لبعض المتشددين الذين يصرون على استنساخ بيئة سلفية قديمة لم تعرف الكهرباء والطائرات والإلكترونيات ووسائل العلم الحديثة. ولا يؤمنون بالاجتهاد الفقهي الذي يراعي المصالح المرسلة للأمة والدولة. ومن هنا جاءت إشكالية تأصيل الرؤية الإسلامية المعاصرة للاعتدال، وبرز صراخ الديماغوجية الدينية التي يتبناها قلة على حساب صوت الوسطية الإسلامية الأصيلة التي تتبناها الكثرة. وزاد الأمر تعقيدا تحول التباين الرؤيوي إلى عنف سياسي تبناه المتطرفون، وتلقفته وسائل الإعلام الدولية باعتباره سلوكا إسلاميا. من هنا جاءت أهمية تأسيس كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي، الذي يهدف إلى تكريس الرؤية السعودية في الاعتدال السياسي والوسطية الدينية والتسامح الفكري لتكون ثقافة اجتماعية مكرسة ومهيمنة. لا يأتيها باطل الغلو والإرهاب من بينها أو من خلفها، وأن يتم تعزيز الأبعاد العلمية لتأصيل هذه الثقافة شرعيا وأكاديميا ونشرها وتعميمها تعليميا وانتهاجها سلوكا اجتماعيا وثقافيا، بعيدا عن التصنع والمراءاة. لتتلاقى المبادرة مع الرؤية الوطنية والعالمية للملك عبدالله في الانفتاح والحوار الإنساني.