عانت العاصمة الرياض لزمن طويل، ومازالت تعاني إلى حد ما؛ من ازدحام المركبات وحركة المرور الكثيفة في المنطقة التي تعرف بحي أو منطقة الوزارات، عندما كانت أغلب الوزارات تقع في منطقة واحدة، ولا توجد مواقف للسيارات، وتم حل هذه المشكلة عندما تم توزيع الوزارات، والمكاتب، والهيئات التابعة لها في مناطق مختلفة من الرياض مما خفف الازدحام، والحركة المرورية نوعا ما، وتوافرت مواقف في هذا الحي.

وتكررت المشكلة في مدينتي "أبها" عندما تم بناء أغلب -إن لم يكن جميع- الإدارات الحكومية في المنطقة المركزية، أو ما يعرف بمجمع الدوائر الحكومية في فترة زمنية سابقة، عندما كان عدد المركبات قليلا وعدد المراجعين لها منخفضا، إذ عانت هذه المدينة من حركة المرور الكثيفة، والازدحام، وعدم توافر المواقف في هذا المجمع، وكانت المواقف كابوسا كبيرا للموظفين العاملين في هذه القطاعات، أو للمراجعين الذين يبحثون عن مواقف فلا يجدونها، ويضطرون إلى الوقوف في الأحياء المجاورة لمجمع الدوائر الحكومية، وبعيدا عن الجهات التي يحتاجون مراجعتها.

وبعد معاناة لسنوات عدة للمجمع والأحياء التي حوله، تم نقل الكثير من الإدارات في أحياء متفرقة من المدينة، وخفت الزحمة إلى حد ما في المجمع، إلا أنه لم يستغل بعد خروج بعض الإدارات بالشكل المناسب، وظلت هذه المباني كما هي.

وفي هذه الأيام وبعد مرور مدينتي الرياض وأبها بالتجربة الصعبة من خلال وجود الوزارات، والإدارات في مكان، أو حي واحد، وما نتج عنه من عدم توافر مواقف للسيارات، وازدحام مروري بشكل كثيف حول هذه المجمعات أو الإدارات، لم تستفد مدينتي من خبرات من سبقها في هذا المجال:

فبعد ما تم نقل المدينة الصناعية من موقعها القديم في خميس مشيط إلى موقعها الجديد تم تخصيص أراضي الموقع القديم لعدد من الجهات الحكومية، وبالفعل بدأت بعض الجهات في بناء أراضيها المخصصة لها، ومن ضمن ما تم بناؤه مستشفى النساء والولادة والأطفال، ومجمع المحاكم الشرعية، ومبنى البلدية، وعدد من المباني للإدارات الأمنية، والمتأمل لهذه المباني يجد أن المواقف المخصصة لها -إن وجدت- لا تكفي لبعض العاملين بها، ولم يؤخذ في الحسبان مواقف للمراجعين الذين يرتادون هذه الإدارات الخدمية، ولا أعرف خلفية المهندس، أو المكتب الذي قام بتوزيع هذه الأراضي بهذا الشكل العشوائي، إذ وزع الأراضي المتاحة على القطاعات المختلفة، ولم يحسب حساب الشوارع والطرقات، والمساحات الخضراء، والمواقف، وغيرها من الجوانب الخدمية الأخرى.

ألم يكن يدرك من قام بالتخصيص معاناة من سبقنا في مدننا الأخرى؟! وعملية استنساخ المجمعات الحكومية لم تكن مدروسة، ولم تكن جيدة، ويفترض أن يكون الاستنساخ للجوانب الإيجابية، وتحاكي التجارب الناجحة لا التجارب التي عانت من مشكلات عدة، وفي السنوات القادمة وبعد اكتمال منظومة المباني في هذه الأراضي، ستكون هناك أزمة مرورية، ومشكلة مواقف بشكل كبير، وستعاني الأحياء القريبة من مجمع الدوائر الحكومية من مشكلة مزاحمة المراجعين والموظفين لهم في مواقف منازلهم.

وفي الدول المتقدمة يتم تخصيص مساحات للمواقف لأي مشروع تجاري، أو سكني، أو خدمي بنسبة قد تصل إلى ثلثي مساحة المنشأة، وفي حالة عدم توافر المساحة اللازمة لذلك تعمد بعض الجهات إلى بناء مواقف سيارات متعددة الأدوار خاصة عند المستشفيات، والمواقع الخدمية، وأنا على يقين أنه لو استعان المسؤولون عن تقسيم هذه الأراضي ببعض المهتمين أو الخبراء في هذا المجال لكان توزيع هذه الأراضي بشكل مختلف عما هو عليه الآن، ولتم تخصيص مساحات يتم استخدامها في جوانب مختلفة، لكن عملية التوزيع ركزت على أن يكون لكل قطاع قطعة أرض من هذه الأراضي، ولم تحسب حساب المستقبل القريب والبعيد، وهذه نظرة تخطيطية غير جيدة، وتفتقر للبعد الاستراتيجي.