ما زال الغموض يكتنف قضية "تزوير توقيع وزير العمل"، ففي الوقت الذي تشير فيه أصابع الاتهام إلى قيادي بوظيفة مدير عام بالوزارة، نجد أخباراً في بعض الصحف المحلية مفادها أن من اكتشف واقعة التزوير هو المسؤول نفسه المتهم الرئيس في هذه القضية، وقد أبلغ عنها الوزير شخصياً، ليطالب بإحالة الملف كاملاً إلى الجهات المختصة لكشف ملابسات القضية.

ومما زاد في الطنبور نغمة، ترقية المتهم إلى وظيفة "مستشار" واستبعاد المبلغين عن واقعة التزوير من مكتب الوزير، في حين أن أنظمة الخدمة المدنية تستبعد الموظف من الترقية في حالة كف اليد أو إحالة الموظف إلى التحقيق في قضايا لها علاقة بالوظيفة العامة، أو بالإخلال بالشرف أو الأمانة!

وبما أن القضية لا زالت منظورة في المحاكم، يظل المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، وما يهمنا في هذه القضية هي وقائع التزوير في طلبات استقدام العمالة: كيف حدثت؟ ولمصلحة من؟ وما الآثار المترتبة عليها؟ وهل هناك حالات مشابهة ومتكررة؟ وأخيرا: كيف يمكن الحد من حالات التزوير؟

وقائع القضية تقول إن التزوير كان في صور محررات رسمية في شأن طلب الحصول على 1000 تأشيرة عمل، وإثبات بيانات مخالفة للحقيقة، بالإضافة إلى غياب أصول المعاملات، إلى جانب مساعدة شخص "مجهول" في تمرير هذه المعاملات دون أن تكون هناك عوائق نظامية، بحيث تم التغاضي عن بعض الأنظمة التي وضعت لتنظيم استخراج التأشيرات.

وكما هو معلوم فإن من ضوابط واشتراطات الاستقدام: تعبئة استمارة الطلب، وإرفاق مبررات الاستقدام (عقود، تراخيص..إلخ)، إحضار خطابات التأييد من الجهات المختصة، وقد أصدرت وزارة العمل بهذا الشأن معايير تتعلق بتقدير عدد التأشيرات وفقاً لكل نشاط من خلال معادلات حسابية، وعليه يتم تقدير الاحتياج الفعلي للمنشأة حسب واقعها، ومن ثم تلبية هذا الاحتياج عن طريق الدراسة الميدانية (المعاينة)، وبالنسبة للإشراف على إصدار التأشيرات، فإنه يشترط على كافة مكاتب العمل إرفاق مسوغات طلبات الاستقدام إلى فريق فني بالوزارة.

وتهدف سياسات الوزارة في مجال الاستقدام إلى ما يلي:

• ضمان كفاءة ومعالجة ومراقبة عمليات الاستقدام.

• إصدار التأشيرات بشكل واضح وعادل وفعّال.

• وقف إصدار التأشيرات غير المدروسة وغير النظامية والمخالفة لشروط الاستقدام.

• ضمان أسلوب مهني ومناسب في تطبيق القرارات والمعايير واللوائح التنظيمية.

وبناءً على ما سبق، كيف تم تخطي الشروط السابقة للاستقدام حتى وإن تم تزوير توقيع الوزير؟ فاعتماد صاحب الصلاحية لقرارات الاستقدام هو سلطة مقيدة بالأنظمة واللوائح والتعليمات، إلا إذا كانت هناك استثناءات تحددها السلطة التشريعية بهذا الشأن.

فهناك موظف يقوم بإدخال طلبات الاستقدام، وهناك لجنة تقوم بمراجعة مشفوعات الطلب، وتتأكد من مبررات الاستقدام، ثم تبدي رأيها بالموافقة أو لا، ثم يقوم المدير المختص بالتوقيع على المعاملة بعد أن يتأكد من استيفاء جميع الشروط والضوابط، ثم ترسل تلك المعاملات إلى الوزارة لمراجعتها والتأكد من صحتها، وهكذا، فكيف تم تجاوز كل هذه الإجراءات وهذه الشروط في عملية تزوير توقيع الوزير من قبل مدير مكتب أو أي شخص آخر مجهول الهوية؟

فهل نستنتج مما سبق، أن هناك خللا في تطبيق تلك الإجراءات وتلك الشروط بحيث يمكن تجاوزها بكل سهولة ومن خلال عملية تزوير بسيطة؟ أم أن التزوير تم في جميع مراحل إصدار تأشيرات الاستقدام؟ في هذه الحالة يمكن لأي محترف تزوير خارج الوزارة أن يقوم بهذه العملية، وبالتالي كم تأشيرة استقدام تم إصدارها بهذه الطريقة؟

لا شك أن هناك ثغرات في إجراءات إصدار التأشيرات، تسمح بتجاوز الأنظمة والتعليمات، فالشروط والإجراءات هي في الأساس رقابة داخلية من أجل الالتزام بالقوانين، وعندما تغيب العوامل التي تضبط نظام المراقبة، فإن عوامل الاحتيال والتزوير ومسبباته تزداد فعالية وتؤدي إلى مخاطر جسيمة.

فربما يكون في وزارة العمل عدم فصل للمهام والوظائف المتعارضة، أو قصور في نظام التفتيش المستقل، أو عدم تفويض السلطة لمستحقيها، أو تجاوز الضوابط السائدة من قبل الإدارة العليا وعمل بعض الاستثناءات، أو عدم وجود مراجعة للمعاملات، بالإضافة إلى قبول الصور وعدم مطابقتها بالأصول وعدم التأكد من صحتها.

لذا هناك محوران يجب التركيز عليهما من قبل الوزارة، الأول: دراسة الالتزام بالأنظمة واللوائح، والثاني: تقييم نظام الرقابة الداخلية، وهذا هو دور وحدة المراجعة الداخلية بالوزارة، فالتحقق من الالتزام بالأنظمة من المهام الرئيسة للمراجع الداخلي.

كما أن تقييم نظام الرقابة الداخلية يعتبر إحدى أولويات المراجع بصفة عامة وله تأثير كبير على اختيار مهمة الرقابة على الأداء، فأحد العوامل التي يتم بناءً عليها اختيار المهمة هو عامل "القابلية" وهو يعني قابلية البرنامج أو النشاط الحكومي للتلاعب وسوء الإدارة، وهو مرتبط بشكل كبير بتقييم نظام الرقابة الداخلية.

ولتقييم هذين العنصرين أهمية كبيرة في توجيه مهمة المراجعة، فهو يساعد المراجع الداخلي في توجيه جهود أعمال المراجعة، فوجود نقاط ضعف في نظام الرقابة الداخلية أو في حالة عدم الالتزام بالأنظمة الرئيسة يستطيع المراجع تحديد "المخاطر" التي قد تنجم عن ذلك ثم يبدأ بالبحث عن الحالات التي وقعت فعلاً من هذه المخاطر كدليل مقنع على الأثر الناجم عن عدم الالتزام بإجراءات الرقابة الداخلية، وحالة تزوير توقيع الوزير لإصدار تأشيرات الاستقدام خير مثال على ذلك.

والجدير بالذكر أن معايير مراجعة الأداء قد نصت صراحةً في عملية التخطيط على أنه "يجب أن يشتمل البرنامج على خطوات العمل الكافية لتحقيق الأهداف المحددة لتقديم الضمان المعقول بأنه سيتم تقييم أنظمة الرقابة الداخلية والموضوعية، وسيتم اكتشاف الحالات الهامة لسوء الاستخدام والإجراءات غير المشروعة، وكذلك تحديد الحالات الجوهرية لعدم الالتزام بالأنظمة الموضوعة والسياسات واللوائح".

وأخيراً، أتساءل: هل وحدة المراجعة الداخلية في وزارة العمل تم تفعيلها؟