في عصر العولمة الفضائية لا نحتاج إلى خبير أمني أو عبقري إعلامي ليؤكدا لنا أن فشل الإعلام العربي أصبح اليوم أكثر أسباب الإرهاب شيوعاً وأشدها فتكاً. ففي عالمنا اليوم ارتفع عدد القنوات الفضائية العربية إلى 1320 قناة إعلامية، منها 776 قناة حكومية و544 قناة خاصة. أغلب هذه الفضائيات أخفق في الاستفادة من العولمة المعلوماتية، لاعتقادنا الخاطئ بأن العالم لن يكتشف فشلنا، والذي تمادى في تشويه صورتنا وإضاعة حقوقنا من خلال الترويج لبرامجنا الهزيلة ومسلسلاتنا الهابطة. كما أن غياب القائمين على إعلامنا وجهلهم بمساوئ أعدائنا وأخطاء مناوئينا، كان لهما الباع الأطول في إضعاف مواقفنا وتمادي العالم في الإساءة لمعتقداتنا والتطاول على مبادئنا.
لدى احتفاله خلال العام الجاري بنجاحاته الباهرة عبر العقد الماضي، أصدر معهد "ميمري" الإعلامي تقريره السنوي، الذي أكد أن أعداء الأمة العربية يعيشون حالياً عصراً ذهبياً مزدهراً لقناعتهم بأن الإعلام العربي، بواقعه الراهن الهزيل، لن يتمكن من التأثير على الرأي العام العالمي لأنه كشف عن فشله أمام الملأ، ومنح أعداءنا الفرصة المثلى للتعريف بتقهقر شعوبنا وتراجع قدراتنا. وكأن التقرير يؤكد لأعدائنا بأنهم لن يحتاجوا بعد اليوم إلى نباح أصواتهم عبر فضائياتهم للدفاع عن مواقفهم المعادية لنا، أو تسخير المزيد من خبرائهم لإقناعنا بسلب واستباحة ما تبقى من حقوقنا.
ولطالما أكد مركز الدراسات العربي الأوروبي في تقاريره الدورية أن تدني قدرة إعلامنا على اختراق المجتمع الدولي، جاء نتيجة حتمية لضعف كفاءاتنا الإعلامية وانعدام استراتيجياتنا المعلوماتية. ولكون إعلامنا يفتقر أصلاً فن دغدغة مشاعر العالم الخارجي ومخاطبته بلغته والتأثير عليه، أقرت جميع هذه التقارير بأننا لم نخفق فقط في استغلال مبادئ العولمة الفضائية لصالح مبادئنا والدفاع عن مواقفنا، بل جعلنا من إعلامنا وسيلة موجهة لاغتيال الفكر واستباحة العقل وتأجيج الفتن والصراعات بين شعوبنا، وتحريضهم على عدم الاندماج مع العالم الخارجي من خلال نشر الأفكار المشوهة عن تطور شعوب الأرض. وهذا أدى بدوره لترك الساحة الفضائية العربية مفتوحة على مصراعيها أمام وسائل الإعلام الغربية، لتقدم لنا ما تريده دون حسيب أو رقيب، أو لتلقن شعوبنا دروساً في نبذ الإرهاب والالتزام بالنظام والتحلي بالنزاهة والأخلاق وحقوق الإنسان.
فشل إعلامنا الذريع في تسخير العولمة الفضائية لصالحه، أدى إلى ابتذال الساحة الإعلامية التي تلعب دوراً مؤثراً في صياغة مواقفنا، فعجزنا عن تصحيح صورتنا أو تبني وجهات نظرنا أو حتى التأثير على آراء مناوئينا. كما كان لإخفاق فضائياتنا في رفع قدراتها المعلوماتية وتسخير إمكاناتها التقنية أبلغ الأثر في تراجع المعرفة لدى شعوبنا، وغياب التوعية وتطويع الرأي لدى الشعوب الأخرى.
كما أن إخفاق إعلامنا في تسخير التقنية المعلوماتية لتوسيع إمكاناته وتطوير مهامه؛ أفقده مكانته بين الفضائيات العالمية، التي نجحت بكافة أصولها وفروعها في استيعاب عناصر الإعلام وامتلاك مقوماته لمواكبة التطورات التقنية التي نشهدها. لذا أصبحنا أقل قدرة على الاستجابة للظروف الراهنة المعقدة، وغدونا أكثر ابتعاداً عن مواجهة التحديات المستقبلية التي تتطلب توفير التوازن بين الفكر والمعرفة، وبين العقل والثقافة.
في السابق كانت الدول المتقدمة، التي تتباهى بمبادئ (الديموقراطية)، تشجب أنظمتنا العربية لعدم تطبيقها (الديموقراطية) وتلومها لتأجيج الصراعات بين شعوبنا وتنمية الإرهاب بين طوائفنا. واليوم، بعد فوات الأوان، اكتشفت هذه الدول المتقدمة أن (الديموقراطية) بمفهومها الغربي، والتي أرغمونا على اتباعها في العراق وليبيا والسودان واليمن والصومال، ليست سوى منهج مقيت من مناهج الفوضى الخلاقة، التي أضرمت فتيل الإرهاب، وولدت الاحتقان الطائفي والأحقاد، وأثرت التشتت الفكري والتعصب الاجتماعي.
كان من واجب إعلامنا العربي فضح مواقف هذه الدول المتقدمة، ونشر تقارير أجهزتها الاستخباراتية، التي تؤكد أن 94% من العمليات الإرهابية التي تمت في الدول (الديموقراطية) خلال ربع القرن الماضي قامت بها جماعات غير إسلامية أو عربية. بل كان من واجب إعلامنا العربي ترجمة نتائج الدراسات الجامعية الموثقة عن تكاثر الجريمة في الدول (الديموقراطية)، مثل دراسة جامعة "نورث كارولينا" الأميركية الصادرة في العام الماضي، التي أكدت أن عدد جرائم القتل في أميركا منذ أحداث سبتمبر 2001 إلى اليوم ارتفع إلى 180 ألف جريمة، غالبيتها تمت على يد الجاليات غير العربية في أميركا (الديموقراطية).
في السابق كانت دول العالم الأول توجه اتهاماتها لدول العالم الثالث، ومنها الدول الإسلامية والعربية، بأنها تقوم على تنمية العنصرية، واضطهاد الأقليات اليهودية، وتأليب العالم على الصهيونية، إلى أن اكتشفت شعوب العالم أجمع، بما فيها أميركا وأوروبا، أن إسرائيل أصبحت الدولة العنصرية الوحيدة المتبقية على وجه الأرض، وأن احتلالها للأراضي العربية ما زال الاستعمار الوحيد القائم في عصرنا الحديث.
وفي السابق كانت الدول الكبرى توجه أنظارها المريبة إلى تسارع وتيرة الإرهاب في السعودية، فقيدت بأنظمتها القاسية تأشيرات دخولنا لأراضيها، إلى أن اكتشفت لاحقاً أن المملكة كانت وما زالت، أكثر دول العالم نجاحاً في اجتثاث شأفة الإرهاب، وأفضلها كفاءة في مكافحة تمويل عصاباته، وأولاها في إطلاق مبادرات مكافحته.
هنالك دول استفادت من عولمة الفضاء في تصحيح صورتها أمام العالم، لتجعل من الخيال حقيقة ومن الدعاية واقعاً ملموساً، وهنالك دول أساءت استخدام ساحة الإعلام، وكرست جهود فضائياتها لتسفيه العقل وامتهان الفكر، فأسهمت في تثبيت خيبة شعوبها، وترسيخ صورتها المشوهة أمام أهل الأرض قاطبة.