اغتالت أيادي الإرهاب أرواح الأبرياء في قرية "الدالوة" وروعت الآمنين قبل أيام قليلة من الذكرى الـ25 لسقوط جدار برلين، الجدار الرمز للعنصرية البغيضة، الجدار الذي جعل أبناء المدينة الواحدة يعيشون منقسمين رغم الأرض الواحدة التي جمعتهم.

بعد ربع قرن من سقوط "جدار برلين" هل يعتقد منفذو جريمة قرية "الدالوة" أنهم سينجحون في محاولاتهم تجربة التقسيم العنصري في الأحساء، وأن يبنوا سورا شاهقا يفصل السنة عن الشيعة؟ أم كانوا يعتقدون أن المملكة سهلة المنال ويكفي لإشعالها أن تزرع الفتنة الطائفية؟ من يعتقد أن تجربة أعداء العراق ونجاحهم في إثارة العنصرية المذهبية فيها كافية لتطبيقها في المملكة فإنه مخطئ للغاية، أقولها وأنا السني الذي عايشت إخواني "الشيعة" في كل مكان، في الشرقية ونجران والمدينة، كنا وما زلنا بعد قضية "الدالوة" أصدقاء نختلف في المذاهب ونحارب الإرهاب ويجمعنا الوطن، وطن استطاع أن يكون مثالاً في القضاء على الإرهاب وأصبح المثل الأول في صد الفتنة والعنصرية والإرهاب، وأصاب "القاعدة" في مقتل منذ سنوات عديدة وبعمليات استباقية لإفشال مخططاتهم قبل تنفيذها، ولا أعتبر محاولتهم الأخيرة في قرية "الدالوة" إلا محاولة اليائس الذي لم يعد يستطع أن ينفذ عملياته في أماكن تجمع رجال الأمن ولا في مساكن الأوروبيين والأميركيين ولا حتى في المنشآت الحكومية كما كان يحاول سابقا، فاتجهوا إلى "حسينية" آمنة في قرية لينفذوا عملية يائسة ممنين أنفسهم بنجاح أهدافهم منها، ولكن كانت خيبتهم كبيرة وقاسية وهم يروننا أكثر وحدة، وخابت أمانيهم وهم يرون وزير الداخلية يقف جنباً إلى جنب مع أهالي الضحايا الشيعة، والعبارات التي كررها أبناء قرية "الدالوة" ضد الفتنة والعنصرية هي أيضا صفعة في وجه الأعداء الذين ما زالوا يدعمون الإرهاب في المملكة وما زادتهم محاولاتهم إلا خيبة وفشلا. العنصرية التي نجحت بفرض نفسها على مدينة "برلين" في القرن الماضي ماتت مبكراً وما أن انتهى بناء "جدار برلين" حتى بدأ هدمه، وما أن انفصل سكان برلين وأصبحوا شرقيين وغربيين حتى استوعبوا مدى الجريمة التي اقترفوها في حق أنفسهم وتاريخهم ومستقبلهم فهرعوا يهدمون الجدار الذي عزلهم غير مبالين بكل الفروقات التي خلفها الاستعمار والأحزاب الشيوعية والرأسمالية، وبدأوا يعملون على توحيد اقتصادهم وثقافتهم رغم كل المعوقات حتى احتفلوا أخيراً بنجاحهم في جعل قصة "جدار برلين" مجرد ذكرى سيئة لن تعود ولن تتكرر.

بإمكان أي منظمة أو هيئة أو مدرسة أن تعلمنا أي مهارات يدوية وتدربنا على أن نكون أقوياء، وتمرننا على الرماية والدقة في إصابة الأهداف، ولكنها لا تستطيع أن تعملنا الصدق والوفاء والإخلاص والإيجابية والخير، بل هي عوامل في فطرة الإنسان على حسب قدراته في توجيهها نحو الصواب أو الخطأ ونحو الخير أو الشر ونحو الإرهاب أو السلام، لذلك فإن برنامج المناصحة مهما حاول لن يتمكن من تغيير قناعات بعض الأشخاص الداخلين تحت نطاقه. القانون هو وحده العادل، لأن بعض مستفيدي برامج المناصحة ما زالوا يستغلونه للمواربة والتمهيد لعمليات أخرى أكثر بشاعة.

الأشخاص الذين سعوا لبناء "جدار برلين" تحت أهداف استعمارية واقتصادية لو أتيحت لهم الفرصة مرة أخرى لأعادوا بناءه رغم أن التاريخ أثبت فشل جدارهم العنصري المقيت، وجورج بوش الابن لو أتيحت له الفرصة مرة أخرى لممارسة غروره بغزو العراق لفعلها دون أن ترمش له عين، ومهاتما غاندي لو أتيحت له الفرصة لدحر الاستعمار عن بلاده لفعلها على طريقته بالخير والسلام. وكذلك أي شخص لديه محاولات إرهابية نستطيع أن نعلمه مهنة وندربه عليها، ولكننا أبداً لن نستطيع أن نزرع فيه الخير والسلام ومقت العنصرية ما لم تكن لديه الرغبة الفعلية والقناعة الداخلية.

"الدالوة" لم تكن طريقاً لمخططاتهم اليائسة بل كانت سداً منيعًا جعلتهم يؤمنون أنهم أكثر فشلاً من أي وقت مضى.