بعد كل حادثة لدينا تخرج كلمة "مثيرو الفتنة"، تُستخدم هذه الكلمة المواربة؛ لتشير بشكل قد يضيق، فتعني بوضوح أشخاصا نفذوا عملا تخريبيا، كحادثة الأحساء مؤخرا، وقد تتسع حتى تدخل فيها شخصيات ذات ثقل ووزن وجماهيرية، دون إدانة أو إجراء تصحيح جاد للخطاب، ولنفترض مثلا أن هناك ستة أسئلة أساسية، يمكن من خلالها رسم تلك الشخصية التي صنعت وتصنع "الفتنة"، ومن حين لآخر تحاول أن تثير المجتمع ضد نفسه، وضد بعضه البعض، وهي أسئلة بسيطة، جميعها تبدأ بـ"من؟"، وتنتهي بـ"لماذا؟"، وما دام أنه ليس هناك عمل كاف وحازم لتغيير الأفكار، فهي بلا ترتيب من حيث الأهمية:
- من الذين يقفون ضد أي عملية تطوير في قطاع التعليم؟ ولماذا؟
- من الذين يناهضون برنامج الابتعاث ولا يتركون فرصة ولا حادثة إلا ويحاولون استغلالها لتعطيله؟ ولماذا؟
- من هم الذين يستعدون وجود وحقوق آخرين غيرهم "مذهبيا، أو فكريا" في الوطن؟ ولماذا؟
- من الذين يغضبهم أي قرار يصب في توسيع حقوق المرأة وتعليمها وعملها وأهلياتها القانونية والاجتماعية كافة؟ ولماذا؟
- من الذين يربكهم مشروع تطوير القضاء وهيلكته وتقنينه؟ ولماذا؟
- من الذين يُجن جنونهم عند أي خطوة باتجاه ضبط وتنظيم دور هيئة الأمر بالمعوف والنهي عن المنكر؟ ولماذا؟
يمكنك أيضا أن تضيف عشرات الأسئلة كهذه، التي هي جميعها، وفي النهاية، تنويعات وإعادة صياغات، لسؤال واحد؛ "من الذين يعدّون أي تقدم طبيعي ومستحق للمجتمع، وأية مشاريع لتطوير الأجهزة اللصيقة بحياته اليومية، ضدّهم؟ ولماذا؟".
وليس غريبا ولا جديدا، أنهم وفي كل قضية، ينطلقون في صراخهم وهياجهم الحاد، من المبررات نفسها؛ تعطيل الشريعة، إفساد المجتمع، التغريب،... إلخ.
لا بدّ من تكرار أنك إذا لم تغير الأفكار فإنها ستستمر في إنجاب معتنقيها، وسنبقى نسأل من ولماذا؟!
هل الأمور أكثر تعقيدا من هذا؟ نعم، هل هناك قصص ما، غير ما تبدو عليه الأمور في ظاهرها؟ حتما نعم، لكن لجعل الأشياء أكثر صراحة، لا بد من اقتراح أسئلة أولية.
هذان سؤالان أخيران؛ هل كان مجتمعنا ليرفض، ومنذ ثلاثة عقود ونصف على الأقل، أن ينمو سليما، بدلا من تكديس هذا الصديد "الفتنة" فيه عاما إثر عام؟ ثم.. هل حقا أن مجتمعنا اليوم لا يطمح ويحلم أن ينمو مجددا بشكل سليم؟.. عساها لا تُكدس فيه تلك الاحتقانات، ولا تُعاد القصة مرة أخرى وأخرى، فالأجيال التي تكبر اليوم، ترى العالم من حولها وتتصل به، ولم يعد ممكنا أبدا عزلها وتغييبها عن حياتها وحقوقها، تحت أي خطاب، لم يعد الاستفراد بها ممكنا.
إن السماح مجددا بتعبئتها على نحو يُخل بأولوية الوطن وإنسانه السوي، وحياته الكريمة.. ليس سوى عبث بمستقبلها ومستقبل البلاد.