في مطلع الثمانينات الميلادية من القرن الميلادي الماضي، كنا شبابا يافعا متطلعا، لم نكن نعرف شيئا عن الحرب ولا الإرهاب. نعم مرت علينا حادثة جهيمان، لكن كنا قلبا وقالبا صغارا وكبارا من الرافضين لها.. لكن يبدو أن فصول التطور المعرفي والإرهابي لن تتركنا بحالنا، لذا جاء غزو السوفيت لأفغانستان ليمثل التحول الأهم في التاريخ الحديث لهذه البلاد، ليس إلا أن موجة عارمة من الدعاة والمبشرين بالخلود والشهادة، وسرعة الاقتران بالحور العين يتسابقون لإقناع الشباب بالجهاد.. بل وليشاهدوا المعجزات الإلهية عيانا بياناً، وكيف ترتد القنابل الملقاة من الطائرة الروسية لتعكس اتجاهها إلى داخلها، ويتبينوا كيف أن القنبلة لا تنفجر وهي تقع بين المجاهدين، وغير ذلك مما احتوته كتب عبدالله عزام وأشباهه تلك التي كانت تصل إلينا بأيسر السبل وأسهلها.
نعترف أن الأمر تم وفق تسهيلات متاحة أمنت كثيرا من تكاليف السفر والاستقبال والسلاح، لكن كان النتاج وبالا على هذه البلاد من فرط أن بعض من ذهبوا للجهاد قد عادوا بأفكار إرهابية تفجيرية لم يسلم منها أهلهم وبلادهم.. ثم ماذا بعد ذلك: بات تصدير التفجيريين سمة لم يتخل عنها دعاة الإرهاب من تلاميذ أفغانستان، حتى باتت بلادنا تعاني وتعاني، وبعدما كنا الشعب الأكثر أمانا أصبحنا الأكثر تأخيرا وتفتيشا في المطارات، أو ليس بعضنا من ضمن الأكثر حضورا في ميادين الإرهاب والتفجير؟! هذه ما جنته علينا أفغانستان، بل ما جنيناه على أنفسنا بسبب أفغانستان!
ما حدث انتهى ولا سبيل إلى إعادة سياقه، لكن حري أن نعمل على إصلاح بعض أخطائنا التي تشبه أخطاءنا الأولى حين السماح بالمشاركة في موقعة كابول ومثيلاتها، وتحاكي التساهل مع الدعاة والمبشرين بالمهدي وقرب يوم القيامة، كما كان فريق جهيمان يؤكد في رحلته بين القرى والضواحي! نعم ندرك أنه ليس بمقدور أحد أن يضحك على شبابنا الآن بحكاية القنابل التي ترتد على مطلقيها لأنهم أصبحوا أكثر وعيا بأن سنن الله في خلقه لا تتبدل لأجل طائفة أو بشر.. مما يدعونا وبقوة لأجل أن نوقف مسلسل الكراهية والدعوات النتنة التي تنطلق فيما بيننا كنتاج لغزوة كابول الأولى دون وعي بأخطارها.. نوقف المحرضين.. نحاسبهم، نقتلع دعاة الطائفية.. نكشفهم ونعريهم قبل أن نحاسبهم على مساوئهم.
علينا أن نجد ونجتهد في تجريم دعاة الانقسام والمحرضين، حتى خطب الجمعة الداعية إلى الكره والدعاء على المسلمين الآخرين نرفضها ونرفض أصحابها.. جدير أن نعمل كي لا يعود الفكر الأفغاني ليتغلغل من جديد، علينا أن نجتث جذوره.. كي نضمن أنه لا كارثة أخرى ستحدث كما كانت كارثة الأحساء.
الأمر بات يتطلب عملا وطنيا كبيرا نعترف من خلاله بأخطائنا السابقة التي أسهمت دون إدراك منا في صناعة قاعدة للإرهاب في بلادنا وبلاد أخرى. ومن ثم تصحيح ما يجب تصحيحه داخليا.