في رواية (العمى) للأديب البرتغالي جوزيه ساراماغو، إحدى روائع الأدب العالمي التي يعكس فيها ساراماغو هشاشة المجتمع البشري ومدى تشاؤمه من انقلاب الإنسان وتحوله لذئب تجاه أخيه الإنسان، حيث يصور فيها وباء شديد العدوى يصيب البشرية بالعمى، مظهراً الإنسان المتمدن بصورة ساخرة تغيب فيها الذات وتنعدم فيها الإنسانية وتشيع فيها شريعة الغاب في حال تعرضه لأدنى أزمة.
وهذا الواقع الذي صوره ساراماغو هو ذاته ما وجدناه مع لجنة الانضباط في تعاملها المتفاوت مع الأندية، والتي تشعرك بأنك تعايش حالة أشبه ما تكون بانعدام القانون والنظام، وشيوع قانون الغاب بين الأندية ونجومها وجماهيرها.
ففي تعاملها مع أندية معينة تشعر أن ثمة قانونا صارما ومع أندية أخرى ينفرط كل شيء وتصبح شريعة الأقوى جماهيرياً وشرفياً وإعلامياً هي السائدة في تطبيق العدالة بين المتخاصمين، وعندما يكون هناك فرد واحد فوق القانون فإن القانون ينعدم بين الجميع، فتغيب العدالة ويزداد الشعور بالاضطهاد بين معاشر الجماهير وإدارات الأندية، وهو ما جعل الجماهير لا تثق إطلاقاً بما تسنه لجنة الانضباط من قوانين وتشريعات تحضر في مواقف ويضرب بها عرض الحائط في مواقف أخرى مشابهة.
فهذه القوانين والتشريعات هشة وقابلة للكسر، وقد أجبرت جماهير الأندية وإعلامها للجوء لسلاح الاستنفار الإعلامي والتعبئة الجماهيرية لشحذ همتها في الرد في كل وسيلة تواصل متاحة حتى تسترد حقوقها المسلوبة، مما فاقم حالات الفوضى والتعصب، وسيادة جو مفعم بالحوار الهابط بين إعلام الأندية.
كلنا شاهدنا كيف سارعت لجنة الانضباط بمعاقبة نجم الفريق الشبابي نايف هزازي ودون أي تردد، مع أن لها موقفا سلبيا من المدرج المسيء لنجم المنتخب وحامي عرينه وليد عبدالله، الذي وصفته بأوصاف خادشة للحياء لا يقبلها أي عرف بشري، وطبعاً لا يزال هذا المدرج بلا عقوبة حتى يومنا هذا.
هذا مع التزامها الصمت عن تجاوزات بعض مسؤولي الأندية تجاه الحكام والجماهير، في حين أنها تطبق القانون بحذافيره تجاه مسؤولي أندية أخرى، فنحن نسبح في حالة أشبه بالعمى، فرضتها علينا لجنة الانضباط، مما عكس حالة من العدائية تجاه الاتحاد السعودي ككل، موحياً لكل مشجع أن هذه اللجنة تمتهن الاستبداد والتربص تجاه ناديه المفضل.
ومن يتجاهل الوقائع تسبقه الأحداث وتصدمه بقدر ما تكتسحه، فمحاولة خداع الرأي العام أو تكبيله أو التمويه عليه لم تعد تجدي نفعاً في مجتمع تسيطر عليه وسائل التقنية الحديثة، القادرة على تسليط الضوء على صغائر الأمور وكبائرها وتعريتها ونشرها عبر الأثير بسرعة الضوء.