بعض المعالجات الاقتصادية ذات تكلفة عالية على القدرات الشرائية للمستهلكين مهما كانت بسيطة، ولذلك يميل الاقتصاديون للحذر في تطبيقها ويضعون اعتبارات كثيفة لنتائجها حتى وإن ثبتت جدواها وسلامتها الإجرائية، وربما ينتهي الأمر الى الكف عنها حتى لا يسوء الحال بتضخم يكتوي به المواطن المستهلك، وحين يبادر بعض هؤلاء إلى اقتراح معالجات ذات طبيعة صادمة لقدرات المواطنين فإنهم إما لم يدرسوا الحالة بما يستوفيها تماما، أو يفضلون أن يبرزوا للحصول على جرعة غير مشروعة من الشهرة.

في خضم ارتفاع معدلات التضخم وتعرض المواطنين لهجوم متواصل من السوق على جيوبهم، يأتي عضو بمجلس الشورى عبر الطريق السهل ليزيد الضغط من خلال معالجة اقتصادية كفيلة باستثارة الناس، حيث اقترح العضو منذ مدة رفع سعر البنزين، ولا أحسب أن العضو الموقر أشبع مقترحه دراسة وتتبع النتائج والتداعيات لمثل هذه المعالجة الاقتصادية، وإنما أطلقها في وقت يزحف فيه المستهلكون إلى أي مكان يعلن عن عروض لأي سلعة استهلاكية.

رفع الدعم من المعالجات الاقتصادية الروتينية لإصلاح اقتصاديات منهكة، ونحن ـ بحمد الله ـ لسنا منهكين اقتصاديا؛ لأن اقتصادنا الوطني قوي ومتين بشهادة الصناديق والمؤسسات الدولية، ولكن لدينا سوق متضخمة بسبب جشع التجار، حيث يمكن أن يرتفع الأرز لمجرد ارتفاع أحد مدخلات إنتاجه سنتا واحدا، دون اعتبار من هؤلاء للتحفيزات والدعومات التي تمنحها لهم الدولة من أجل تسويقه في السوق المحلي بأسعار مناسبة.

العضو الذي طرح المقترح برر ذلك بإيقاف تهريبه، وبعلاقة السببية فإن المواطن بعيد عن ذلك وليس من شأنه، وإذا اكتفى بهذا المبرر وحده، فإنه يبدو واضحا عدم دراسته لمقترحه وإنما يريد المشاركة لمجرد المشاركة في طروحات المجلس، لأننا نتوقع، على سبيل المثال، إذا تم إقرار المقترح أن يصحبه تضخم نسبي يتبع الإقرار والتطبيق في كثير من السلع ذات الصلة بالبنزين والمشتقات البترولية، في وقت قد لا يتم فيه إيقاف التهريب بصورة نهائية، وهو شأن جهات أخرى ولا ينبغي أن يدفع المواطن ثمن ذلك.

مجلس الشورى معني باقتراح معالجات احترافية وعلمية، فهو ليس ديوانية يتبادل فيها الأعضاء الآراء ويتداولون حول موضوعات بذات الروح التي يتحدث بهم المواطنون العاديون، وإنما كل ما فيه يتم بعلمية وواقعية، وحين يفقد العضو مثل هذا السلوك الدستوري فهو غير جدير بأمانة العضوية، لأن المجلس معني بالضرورة بمعالجات تخفف الضغوط على المواطن وليس إنهاكه بمثل هذه المقترحات غير المجدية.

وفي تقديري أن المقترح ترفي بامتياز ولم يضع في الاعتبار مطلقا تداعياته على المواطن، وهو أشبه بقولهم "داوني بالتي كانت هي الداء"، ولا أعلم كيف يذهب دعم المنتجات النفطية إلى مصلحة المقيمين والمخالفين لأنظمة الإقامة والمهربين، أو أن تقدم الدولة الدعم المناسب للمواطن للحصول على المنتجات البترولية بأسعار مقبولة، وتفويت الفرصة على مهربي أهم مصادر الدخل الوطني.

وإذا كان بيننا مليون أو مليونا وافد هل يبرر ذلك تمدد النتائج السلبية للمقترح على جميع مواطني المملكة؟ ذلك غير موضوعي وليس منطقيا، ثم إن الوافدين جزء من المنظومة الاقتصادية وموجودون بحسب الأنظمة وعليهم واجبات كما لهم حقوق، والدورة الاقتصادية لا تمايز بهذه العشوائية في التنظيم، ولذلك فإنه حين يعني المهربين فهؤلاء هم القلة المنتفعة التي تحاربها الأجهزة الأمنية كما تحارب غيرهم من مهربي المخدرات والسلع المغشوشة والمقلدة بحسب الأنظمة.

مثل هذا الرشح الإجرائي في مجلس الشورى يعزز تواضع ثقة المواطن في المجلس، ويوجد صورة ذهنية تجعل المجلس أقصر قامة من تطلعات المواطن لمخرجات تنظيمية ومعالجات مهنية أفضل، ولذلك تبدو الضرورة ملحة لتحسين تلك الصورة قبل أن تتحول إلى نمطية تفرغ المجلس من مضمونه الدستوري، طالما أن الأعضاء يطرحون مثل هذه المقترحات ويقدمون معالجات هشة وغير مدروسة، ويعترضون في موضوعات أكثر أهمية في تطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وذلك قبل أن نصل إلى استخلاص بأن "طاسة" السادة الأعضاء ضائعة وليس لديهم ما يقدمونه لنا.