عندما نسمع كلمتي: ثقافة، وإعلام، فإن أول ما يخطر بالبال المنجز اللائق وتقديمه للجماهير بطريقة لائقة أيضا؛ لكن هل هذا ما يحدث حقا؟
قبل أن أدخل إلى الموضوع أود شكر الوزير السابق الدكتور الخوجة وأود التأكيد على أن الموضوع هذا ليس موجها ضده أو المرحلة التي كان فيها وزيرا لكنه ممتد لعمقنا ثقافيا وإعلاميا لأقدم مدى!
لأبدأ بالإعلام الذي يعاني في جوانب لا تخفى على واع؛ فعلى مستوى الإعلام الرسمي ما زال متراجعا أو على الأصح ما زال واقفا في مضمار السباق الفضائي الذي تسبقه فيه قنوات لا يصل عمر بعضها لبضع سنوات، هذا على صعيد الإعلام المرئي أما المسموع فربما كان أحسن حالا لكنه أيضا رغم ما يبذل فيه لا يشكل توجها واعيا يمثل الدولة بشفافية وبلا محاباة!
أين الخلل؟
السؤال ذاته والقضية ذاتها، نجدهما في الإعلام المكتوب فقد سبقت الصحف الإلكترونية الصحف الورقية ودفعتها للتراجع لا على المستوى المحلي، بل على مستوى عالمي إلا أن صحافتنا واكبت العصر نسبيا واستفادت من مواقع التواصل للتسويق لنفسها واجتذبت القارئ الإلكتروني وبدأنا نرى المتابعة السريعة للأخبار والأحداث وتفوقت مصداقيتها على سبق بعض المواقع، وربما كانت الصحف الأحدث صدورا هي الأقرب للقراء لأنها لم تخضع لسلطة المؤسسات الصحفية القديمة التي سيطر عليها الملاك الذين ربما افتقد بعضهم القدرة على كتابة مقال واحد يعبر عن رؤية ورأي واحد مفهوم!
الإعلام يبذل جهدا لا نستطيع أن ننكره، لكن مستوى بعض وسائل الإعلام ومؤسساته العامة والخاصة ما زال دون مستوى ما يصرف عليها ومن توجه له، كما أن هناك رفضا وسخرية مرّة وتجعلك تقرأ التهجم على الوزير السابق واتهامه بأبشع التهم مما يدل على أن هؤلاء الشاتمين أخطأتهم الرسالة الإعلامية الصادقة!
لأترك الإعلام جانبا، وأتأمل في الثقافة وسأجد أنها موزعة في البلد على عدة جهات فالغريب أن المهرجان الأول والتظاهرة الثقافية الأكبر في الخليج العربي وهي المهرجان الوطني للتراث والثقافة لا تشرف عليه وزارة الثقافة بل تشرف عليه جهة عسكرية، فقد سَخَّر القطاع العسكري في وزارة الحرس الوطني كل طاقاته للتخطيط والتنظيم والمتابعة والإعلام أيضا فنجح المهرجان نجاحا كبيرا.
والسؤال الذي يثيره هذا النجاح: لماذا لا تملك ثقافتنا مهرجانا مشابها على المستوى المحلي مثلا على أقل تقدير؟! لنكن منصفين ونقول تعاني الوزارة من فقر المخصصات المالية التي تقف عائقا أمام ما يحتاجه الإنفاق على الثقافة وهو ما تملكه وزارة الحرس الوطني ولكن هذا لا يعفي الثقافة من مهمتها في توجيه الوعي.
نظرة للنوادي الأدبية التي تكاد تكون أشبه بجزر معزولة عن المجتمع ومنغلقة على وهم النخبوية حينا ووهم الرسالة الأنسب لرؤية أصحاب الرؤى حينا آخر؛ حتى إن بعض المثقفين يتعامل تعاملا أشبه بتعامل أهل الكرة فيتعصب لناد أدبي ويتجنب آخر ولا تفهم سر الانحياز إلى هذا النادي أو عنه!
نظر أحد الشباب إلى سور أحد الأندية وقال متسائلا بعد خروجه من إحدى الفعاليات المغلقة على دعوات خاصة ووجد أن الأنوار في النادي أطفئت قبل أن تصبح الساعة التاسعة، وقال: لماذا لا يفتح النادي الأبواب في فنائه الخارجي لجلسات الشباب وحواراتهم؟ وأردف أحدهم: ولماذا لا يكون الاجتماع في مكتبة النادي المغلقة من سنوات بانتظار الفهرسة؟!
أثار السؤالان سؤالا هو: لماذا لا تؤجر الأندية مقراتها للاستثمار كمقاه تجمع الشباب على الحوار في أجواء راقية وغير ملزمة بمواضيع غير جاذبة؟!
فكروا معي في مجتمعنا الخالي من التواصل غير الإلكتروني، الشباب فيه معزول في استراحات يمارس فيها سلوكياته ويتبنى فيها أفكاره بلا رقيب ولا حسيب ليخرج لنا منها مشوه الفكر بلا توجيه صادق يقيه من الأفكار المسمومة التي توجه ضده؛ ويحرره من ثقافة القطيع التي خلاصتها في التعبير العامي: "معاهم معاهم وعليهم عليهم". كم يصيبنا الأسى حين نجد من يدافع عن الإسلام بالشتائم، أو يردد عبارات عندما تحاجه بخطأ من يتعصب له من نمط: "فلان تاج راسك"، ليلزمك الصمت؛ لأنه فاقد القدرة على الإقناع! على أحسن الأحوال يقف آخر عند عبارة أنا أحبك في الله ويجاب عليها بالجواب المعروف وهذا عجز لغوي لازم المحب والكاره فعجزا عن تجاوز المعاد والمكرر!
ما دام التعليم مختطفا، حتى حين، فلن يستعيد شبابنا للوطن إلا الثقافة العميقة التي تتبنى رؤية واضحة صادقة لا تختصر الإسلام في أحزاب أو أشخاص وتقف مع الحق، ويثق الشاب بكل قرار وطني من إعفاء أو تعيين. صحيح أن المعتدلين صادقون في رؤاهم الوطنية والدينية، لكننا أمام مجتمع شاب فتي، أصوات السفهاء فيه أعلى نبرة، ورؤاهم تلوث فضاءنا الثقافي، وتحرجنا أمام غيرنا، وبالتالي فهي تستدعي مسؤولا يملك رؤية تتجاوز الواقع وتنقلنا للمستقبل وتجذب الشباب فتخرج النشاطات النخبوية ليتشارك الجميع، ولا يتكرر ما حدث في الأحساء، وتوابعه في الوسطى من ثقافة انغلقت على أفكار مسمومة، فمن لخطط الثقافة والإعلام من لها؟