أجزم بأن قطاعاً كبيراً من متابعي منبر الحرم، شدَّه ما تفضل به فضيلة الشيخ د. صالح بن حميد في خطبة الجمعة الأولى من هذا العام، إذ حمل من خلالها فكراً نيّراً ورسالة واضحة إلى قطاع الشباب عبر تواصله الاجتماعي ومنابر قلمه وتغريداته التي ستؤول بالأمة لا قدر الله إلى فلتان الأخلاق وضياع مكتسبات الوطن، التي باشرها خلال أكثر من قرن من الزمان، وقد تناقلت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة خطبة الشيخ ابن حميد التي رسم من خلالها واقع الأمُّة السعودية، والخوف من ضياع القُطْعان الشبابي الذي "يُتوْتر" ويلمز وينادي بالتقليد الأعمى، لما يدور في كثير من بلدان العالم الَعربي، فقد شخص الواقع وتنبأ بالمستقبل، ولكنه حذر من الانفلات والانسياق وراء من يريد بهذا البلد وأمنه ولحمته، أن يقع فيما وقع به الآخرون.
نعم، بكى فضيلة الشيخ ابن حميد من على منبره المكي، خوفاً على السفينة أن تخرق، وعلى المركب أن يغرق؛ لأن الناعقين ـ مع الأسف ـ يتربصون بنا ليلاً ونهارا، ونراهم عبر أقلامهم وتغريداتهم القائمة على أسلوب اللمز والهمز.
لقد ضرب الشيخ ابن حميد أمثلة، كان من بينها واقع الحجاج الذين يمرون بهذه البلاد بعد الخلافة الراشدة، وإلى عصورٍ متقدمة، ثم إنه لم يستطع أحد حماية الحجيج، إلا بعد قيام الدولة السعودية الحديثة على يد المؤسس والموحد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، الذي استطاع لم الشمل وجمع الكلمة وتوحيد المنهج في عقيده صافية تقام في بلاده الصلوات وتؤدى الزكوات وتأمين الحاج على نفسه حتى يغادر بحول الله أرض الحرمين بعناية ورعاية إلهية. لقد شرح الدكتور الشيخ ابن حميد هذا العصر الذي تعيشه الأمة السعودية بأنه نادر أن يوجد له مثيل في عالم اليوم، وانظروا من حولنا يميناً وشمالاً (دماءٌ وُجثُث ونهبٌ وتَفرّق)، فهل يريد أعمياء الكلمة المُغرّد بها والمغُّرَر بهم أن تصل هذه البلاد إلى ما وصلت إليه تلك الدول مع الأسف، وخصص فضيلته جزءاً كبيراً من خطبة الجمعة منادياً بالكلمة الصادقة إلى الشباب، فقال لهم أيها الشَّباب هداكم الله هل تريدون أن يُنْكَأ بهذا الأمن الوارف الذي نعيشه؟ أخوفُ ما أخافُه علينا أن يأتي ذلك اليوم لا قدر الله وحينها لا ينفع الندم؟ هل تريدون هَدُاكم الله أن يضيع هذا الأمن الذي نعيشه، راجعوا أنفسكم واعرفوا ماذا يُراد بهذه البلاد من أعداء الأمة، وكونوا يَدَ بناء لا معول هدم، رسالتي إليكم أيها الشباب أن تتقوا الله في أمتكم في هذه البلاد المباركة (القرآن يتلى، والمساجد عامرة، والمدارس ممتلئة، وأنتم مع أهلكم وأصدقائكم تروحون بكل أمان وعافيه تأَمنونَ على أنفسكم وأهليكم وإخوانكم وتسافرون بكل أمن واطمئنان). وقال فضيلة الدكتور صالح بن حميد وفقه الله: (حذار يا شباب الأمة أن يُصيبنا ما أصابَ غَيرَنا من حولنا، وهنا لا يمكنُ ترقيع الجُرح إذا انفجر).
إنها رسالة محب ومخلص، فإن الناس ليس بينهم وبين الله عهد ولا ميثاق إلا من خلال التقوى وإخلاص العمل والإيمان الصادق بالله عز وجل وتطبيق شرعه.. وكأني بفضيله الشيخ حفظه الله يريد أن تَعي الأمة الدروس الماضية في حقب التاريخ التي مرّت بالعالم الإسلامي وألا تتكرر من قبل فئة حاقدة على أمتها وعلى بلدها وعلى دينها مع الأسف .. وأجد هذه الخطبة رسالة واضحة وصَريْحة إلى شباب الأمة السعودية تحديداً في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعية بأن يَعوا الدروس ويخافوا على سفينة الأمة أن تغرق، وعلى وزارة التربية والتعليم أن توصل مثل هذه الكلمات إلى طلابها بالكيفية التي تراها من خلال المعلمين والمربين ورجال التربية كل في موقعه حتى تستوعب ما تفضل به إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ العلامة د. ابن حميد وفقه الله الذي شخص الواقع ورسم الحال ووجه الجيل الحاضر إلى التَنّبهُ مما يراد منهم حتى لا نقع فيما وقع فيه الآخرون من حولنا.. ويؤكدُ هذا قوله جل وعلا (أُولمْ يَروْا أنا جعَلنا حرَمَاً آمناً ويتُخّطفُ الناسُ من حولهم أَفَبالباطل يُؤمنون وبنعمة الله يكفرون).
أتمنى أن يسمع كل طالب هذه الرسالة، من خلال توجيه سمو وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل ـ حفظه الله ـ بتعميمها على المدارس، ودور التربية، والمعاهد؛ حتى تعم الفائدة ودام الوطن آمنا بأبنائه بإذن الله.