الاحتفال باليوم الوطني هو تقليد عالمي تحتفل به الدول الغنية والفقيرة والنامية تخليداً لذكرى الاستقلال من الاستعمار أو ذكرى الوحدة بعد حروب طويلة أو ذكرى التحرر من عصر الديكتاتورية إلى عصر الديمقراطية أو الاحتفال بدولة الاقتصاد الحديث المتحرر من عصر الشيوعية والاشتراكية إلى عصر الرأسمالية والاقتصاد الحر. ونحمد الله تعالى بأن الاحتفال في بلادنا المملكة العربية السعودية هو احتفال بوحدته من شماله إلى جنوبه ومن غربه ووسطه إلى شرقه ليكون دولة واحدة متماسكة الأطراف تشرفها المدن المقدسة مكة المكرمة حيث بيت الله والمشاعر المقدسة أساس ركن الإسلام الخامس والمدينة المنورة التي بها مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام وقبر نبيه محمد بن عبدالله عليه السلام، وبها أحد أكبر المخزون الاستراتيجي للبترول في العالم.

توحدت على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- والذي رسخ مفهوم الحكم الإسلامي المبني على كتاب الله وسنة نبيه وتبعه أبناؤه من الملوك والأمراء في بناء الدولة الحديثة التي نحتفل كل عام بإنجازات حكامها وحكومتها في عيدها الوطني وقد احتفلنا به الأسبوع الماضي، وقد سبقني زملائي الكتاب في تعداد وحصر الإنجازات وكان الأهم فيها الإنجازات التي تحققت في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي كان منها المشاركة الشعبية في إبداء الرأي الصريح الهادف من خلال جلسات الحوار الوطني ومنها إطلاق فكر ديمقراطية الانتخابات في المجالس البلدية والتي كان لها ردة فعل إيجابية عند جميع فئات المجتمع السعودي ولدى المحافل والمنظمات الدولية. وشعرنا جميعاً بأننا نعيش في عصر حديث يؤمن بالديمقراطية في اختيار ممثلي أبناء الشعب في المجالس البلدية وبصرف النظر عن نجاح التجربة أو فشلها إلا أنها ممارسة ديمقراطية يشكر عليها صاحب القرار. وآمل أن تستمر التجربة الديمقراطية حتى وإن كانت هناك أخطاء في التطبيق على أرض الواقع ورغم هذا الإنجاز الرائع والمتميز في العصر الحديث للمملكة العربية السعودية إلا أن القطاع الخاص في المملكة قد فوجئ في اليوم السابق لليوم الوطني الأربعاء 13 شوال 1431هـ الموافق 22 سبتمبر 2010م بخبر في الصفحة الأولى بالخط العريض بجريدة "عكاظ" في العدد 16097 مفاده بأن (وزارة التجارة والصناعة تخطط لإلغاء انتخابات مجالس الغرف السعودية والتي يتم بموجبها اختيار ثلثي أعضاء مجالس إدارات الغرف التجارية والصناعية مستندة إلى أن عزوف الأسماء الكبرى عن المشاركة في الانتخابات ناتج عن المهاترات المصاحبة للانتخابات)، ويقول الخبر إن المصدر أكد لجريدة عكاظ أن (الوزارة ستقلص عدد الأعضاء المنتخبين مالم تلغ الانتخابات بشكل كامل، بعد أن أتت نتائج صناديق الاقتراع بأسماء مغمورة إلى مقاعد تمثيل قطاعي التجارة والصناعة في الغرف الكبرى).

لقد نزل هذا الخبر كالصاعقة عليّ شخصياً وعلى العديد من رجال الأعمال الصغار والمتوسطين وأرجو وآمل أن يكون هذا الخبر غير صحيح وصدر من شخص غير مسؤول في الوزارة أو من موظف تكنوقراطي أو من مسؤول بعيد عن الإجراءات النظامية المتبعة في تغيير الأنظمة والقوانين في المملكة. فكيف يكون ذلك وعلى رأس وزارة التجارة أحد رجال الأعمال الذين يحظون باحترامي واحترام وتقدير القطاع الخاص وأحد رجال الأعمال الذين خاضوا انتخابات غرفة جدة في بعض من الدورات السابقة وهو قادم من أحد أهم البيوت التجارية في جدة.

إن الديمقراطية التي تتمتع بها الغرف السعودية منذ أكثر من ستين عاماً تؤكد وتثبت أن القطاع الخاص قادر على التعامل مع ديمقراطية الانتخابات بجميع أشكالها سواء على نظام القوائم أو نظام الانتخابات الفردي. إن عصر الإدارة الحكومية وسيطرة الدولة على نشاطات القطاع الخاص قد انتهى منذ انهيار النظام الاشتراكي، وإن سياسة الخصخصة هي أكبر دليل على قناعة الدول والحكومات بأن القطاع الخاص قادر على إدارة وتشغيل العديد من المرافق الخدمية والمشاريع التنموية وأكبر دليل على ذلك -محليا- المشاريع التي خصخصت تدريجياً ومنها الاتصالات والكهرباء والمياه وأخرى في الطريق. إن حجة من أدلى بالخبر بأن إلغاء الانتخابات بسبب عزوف الأسماء الكبرى عن المشاركة في الانتخابات بسبب المهاترات المصاحبة للانتخابات، حجة لا يمكن قبولها أو الاقتناع بها ومردودة على أصحابها لأنه لا توجد انتخابات في العالم خالية من المهاترات والصراعات والانتقادات ومن يتابع الانتخابات في الدول المتقدمة وبين المترشحين سواء للمجالس البلدية أو النيابية أو البرلمانات أو مجالس الشورى أو الغرف التجارية يلحظ أن من المرشحين أنفسهم وزراء وعلماء وأساتذة جامعات ومفكرين وأدباء وتراقب الحكومات سلامة هذه الانتخابات ولا يوجد في العالم انتخابات ملائكية، فالانتخابات هي تنافس بين مجموعات وأفراد على عضوية محدودة في أحد هذه المجالس رغبة في خدمة الأوطان، ولو أن هذه الحجة صحيحة ومنطقية لأوقفت الانتخابات في العالم المتقدم والمتأخر. وإذا كان هذا طلب رجال الأعمال الكبار بأموالهم وثرواتهم ونفوذهم فالغرف التجارية الصناعة في غنى عنهم والقطاع الخاص مليء بالكفاءات المتعلمة والناجحة والقادرة على تولي مهام ومسؤوليات الغرف التجارية وإن لم تكن أسماؤهم لامعة أو لم يكن لهم خبرة طويلة فإن كبار التجار ورجال الأعمال القدامى والحاليين لم يولدوا كبارا وأغنياء أو لامعين إلا ورثة الأغنياء ولدوا وهم أغنياء ولكنهم ليسوا لامعين أو مؤثرين. إن من يترفع ويستنكف عن دخول الانتخابات كي لا يدخل في مهاترات تنافسية مع صغار التجار ويتأمل أن يدخل المجلس بالتعيين باسمه أو باتصالاته فالغرف التجارية في غنى عنه، وإن كان هناك بعض رجال الأعمال ممن نسعى لهم ونخطب تواجدهم لأن يكونوا على رأس بعض الغرف لخبرتهم وعطائهم وثقلهم في الوسط المحلي والدولي، وهم مكسب للغرف فليس بالضرورة أن يكون جميع الأعضاء مثلهم وعلى مستواهم. وبدون الدخول في تفاصيل وتحليل أكثر لابد لي أن أسجل هنا بأن مجلس الشورى في دورته السابقة عندما تشرفت بالعضوية فيه عرض علينا نظام الغرف التجارية وصوت المجلس على البند الخاص بانتخاب أعضاء مجلس إدارة الغرف السعودية بتوصية أن يكون جميع الأعضاء منتخبين وليسوا معينين. ولهذا فإن قرار إلغاء الانتخابات هو قرار يحتاج إلى تغيير نظام الغرف السعودية وعلى وجه الخصوص المادة 16 من الباب الثالث من نظام وزارة التجارة وتغيير النظام يحتاج إلى موافقة مجلس الشورى وموافقة مجلس الوزراء.

لقد طالبت ومازلت أطالب بمزيد من الديمقراطية في الانتخابات في تشكيل بعض من المجالس مثل مجلس الشورى ومجالس المناطق ومجالس المحافظات وطالبت بتحرير مجالس الغرف السعودية من نسبة التعيين.

وأخيراً آمل أن يكون الخبر الذي نشر بأن وزارة التجارة تخطط لإلغاء الانتخابات خبراً لا صحة له ويكون من مصدر غير مسؤول. وألا يكون احتفالنا بالعيد الوطني هذا العام منقوصاً منه حريتنا في القطاع الخاص في اختيار مرشحينا في مجالس إدارات الغرف وأخشى أن يكون لهذا القرار ردة فعل سلبية في المنظمات الدولية.