لو علم جناة حادثة "الدالوة" كيف ستكون ردة فعل أبناء الوطن تجاه ما اقترفته أيديهم، لترددوا كثيرا قبل ارتكاب جريمتهم البشعة. ولو أخبرهم أحد أن ما فعلوه لم يزد اللحمة الوطنية إلا تماسكا، فحتما سيقضون ما تبقى من حياتهم في حسرة وندم.
وحتى قبل لحظات من ورود أخبار فاجعة "الدالوة"، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالنقاشات والجدال بين المغردين، بعضه كان صاخبا يتجاوز سقف الهدوء. لكن ما إن ذاع خبر تلك العملية الإجرامية حتى ذابت كل الاختلافات وانصهرت التغريدات في محتوى واحد: "نستنكر جريمة الدالوة"، و"نعزي أنفسنا قبل أهلها"، فـ"المصاب واحد"، و"ننادي بتقديم الجناة للعدالة".
خابت ظنون من حاولوا جر الوطن إلى مستنقع الطائفية، فبينما اعتقدوا بأن النيران التي أطلقت في "الدالوة" ستشعل فتيل الفتنة، تسابق أبناء هذا الوطن على إخمادها. وجاء الرد مكملاً للآخر، فاستنكر السنّة الحادثة منددين بمقتل الأبرياء، وأكد إخوتهم الشيعة بدورهم أن المعتدين لا يمثلون إلا أنفسهم، وأنه من غير المعقول تحميل الجميع مسؤولية هذا الفعل الإرهابي، بل يتحمله من استباح دماء الآمنين.
ما لم يستوعبه مثيرو الفتنة أنه برغم اختلاف المذهب والمعتقدات، إلا أن ذلك كله يذوب - عفويا - لحظة الشعور بوجود ما يهدد وحدة الوطن وسلامة مواطنيه. وما زلت أحتفظ في هاتفي برسالتين بذات النص، أرسلهما في اليوم التالي للحادثة صديقان من الأحساء، أحدهما سني والآخر شيعي، كانت تحذر من الفتنة وتطالب بتغليب العقل وتوحيد الصف.
عندما ثارت رصاصات الغدر في وجه أبناء "دالوة" الأحساء، واجهتها في مكان آخر من الوطن صدور إخوانهم من رجال الأمن، حتى ارتقى عدد منهم إلى السماء، لتتجسد اللحمة الوطنية في أوضح صورة.
ستفتح سرادق العزاء في "الدالوة"، وسيكون جميع أبناء الوطن بمختلف مكوناتهم المذهبية إلى جوار أشقائهم أهالي وأصدقاء الضحايا، هذا إن لم يكونوا في استقبال المعزين يتلقون التعازي بفقدان إخوانهم في الدين والوطن.