لقد وضع الأطباء والعاملون في منظمة أطباء بلا حدود حياتهم على المحك 365 يوماً في السنة على مدى عقود. والآن، يكافح الأطباء والممرضون والعاملون في مجال الصحة مع منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة "محفظة السامري"، والمنظمات الصحية التبشيرية الأخرى، للقضاء على مرض إيبولا الفتاك. ولكن بعض من نجا من هذا المرض لا يثبتون فقط أن البقاء على قيد الحياة ممكناً، بل بعد تعافيهم، يمكنهم العودة لخدمة أولئك المصابين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية في أفريقيا.
وكانت منظمة أطباء بلا حدود من بين أوائل من دقوا ناقوس الخطر، قائلة إنه يجب أن لا يموت الناس من الإيبولا! حيث بالإمكان إنقاذهم، ويجب أن يتم إنقاذهم. وتتطلب عملية الإنقاذ اتخاذ إجراءات عاجلة، أولها الحد من معدل الوفيات الناجمة عن هذا المرض المنتشر حالياً في "المنطقة الساخنة"، ليبيريا، وسيراليون، وغينيا.
في يوم 24 سبتمبر الماضي، كتبت منظمة أطباء بلا حدود في صحيفة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين" تقول "إن خفض عدد الوفيات يمكن أن يتم بسرعة أكبر مما يتخيل أي شخص؛ حيث يمكن بتدخلات بسيطة منع الوفيات التي تعزى إلى نقص كمية الدم وتشوهات الأيض". وأضافت المنظمة "سيستمر ارتفاع معدل الوفيات من فيروس إيبولا ليعكس التاريخ الطبيعي للمرض، وليس عدم القدرة على تغيير مساره". وبعبارة أخرى، فإنه يمكن الحد من معدل الوفيات بمنع صدمة الموت بسبب نقص حجم الدم، وهو الموت الذي يأتي بسبب نقص تدفق الدم من الجسم إلى القلب.
وتواصل منظمة الأطباء قائلة: "الافتراض الشائع هو أن نقص الموارد المادية يشكل عائقاً مهيمناً على الرعاية السريرية؛ ولكن ليست هذه هي القضية بالتحديد. فالمشكلة هي توفير القسطرة الوريدية والسوائل، كبديل متاح بسهولة، فحينما لا يستطيع المريض أن يشرب، فسيكون البديل وضع القسطرة الوريدية وتقديم السوائل المناسبة كبديل، لكننا رأينا العديد من المرضى ذوي الحالات الحرجة يموتون لعدم توفر السوائل الكافية لمدهم بها عن طريق وريد الإنعاش.. وفي اعتقادنا أنه يمكن أن نفعل ما هو أفضل من ذلك، ويجب علينا أن نفعل لتوفير الرعاية الداعمة". غير أن المساعدة، من حيث الأطباء والممرضات والمستشفيات، تأتي بصورة بطيئة.
في مقابلة أجرتها معه صحيفة الواشنطن بوست مؤخراً، قال الدكتور توماس فارمر، رئيس قسم كلية الطب بجامعة هارفارد للصحة العالمية والطب الاجتماعي، بعد عودته من ليبيريا، "هذه ليست كارثة طبيعية، إنها كارثة من إرهاب الفقر. وأضاف "هناك سبب لأن يكون معدل الوفيات 80% في المناطق الريفية في أفريقيا، وصفر% بالنسبة للأميركيين والأوروبيين الذين يحصلون على الرعاية الصحية المناسبة وفي الوقت المناسب". والدكتور فارمر ليس غريباً على ويلات الأمراض الوبائية في الدول الفقيرة، حيث إنه شارك مع رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم، وهو طبيب وعالم الأنثروبولوجيا، وشركاء آخرين، في تأسيس منظمة "شركاء في الصحة" التي بدأت عام 1987 في محاربة الأمراض في هاييتي. ومنذ ذلك الحين، توسعت أنشطة المنظمة لتصل دولاً أخرى في منطقة البحر الكاريبي وأميركا الجنوبية، حيث يُخشى من أن ينتشر إيبولا كالنار في الهشيم في أفقر المناطق، إذا عبر هذا المرض المحيط الأطلسي.
يقول الدكتور مايكل أوسترهولم، مدير جامعة مينيسوتا في مركز الأمراض المعدية والأبحاث والسياسة وأحد أبرز الخبراء في مجال الأمراض المعدية، إن هذا الوباء يجب أن يحارب -الآن- في المنطقة الساخنة غرب أفريقيا بسرعة تماثل الرد على هجوم الحرب البيولوجية. ولقد دعا أوسترهولم إلى تعبئة ذات طراز عسكري، لمحاربة فيروس الإيبولا بنفس الانضباط والتدريب والمعدات، وإجراءات الصحة العامة التي يمكن استخدامها في الاستجابة للهجوم على الحرب البيولوجية.
وفي 16 أكتوبر الماضي، قال الدكتور أوسترهولم لشبكة MPR الإخبارية الأميركية تحدثنا في مرة سابقة في يوليو الماضي، عن اغتنام فرصة تدخل هجومي لإيقاف هذا الوباء من الانتشار، لكننا لم نفعل ذلك. وما زلنا لم نشيد مستشفى سريرياً واحداً في غرب أفريقيا، على الرغم من وعدنا قبل أسابيع بأننا سوف نفعل ذلك. في الواقع، أن كل شيء في الولايات المتحدة يتحرك بأسلوب بيروقراطي أو ببرنامج زمني، بينما يزداد انتشار الفيروس في ذات الوقت. وفي مقابلة أخرى، أضاف أوسترهولم: "علينا الإسراع في إمداد غرب أفريقيا بالإمدادات والعاملين في هذا المجال الطبي"..
وفي أوائل أكتوبر المنصرم تحدث الدكتور بول فارمر إلى "لندن ريفيو أوف بوكس" عن النقص الحاد والمخجل في الضروريات بالمنطقة الساخنة في غرب أفريقيا. وقال فارمر هناك أربعة أسس معروفة لدى العاملين الطبيين المدربين في الولايات المتحدة الأميركية، هي: الإمدادات، والموظفون، والمكان، والنظام. وقد قام فارمر بتطبيق هذه الأساسيات على الوضع اليائس في غرب أفريقيا الآن.
وأوضح فارمر تلك الأساسيات بأنها: "أولاً، يجب ألا يكون هناك انقطاع لإمدادات معدات الحماية الشخصية، والأدوية والمواد الغذائية والوقود، ومعدات المختبرات، والبطاريات.. إلخ، وتسليمها إلى هذه الدول. وثانياً، توفير الموظفين فهو مطلب أساسي، حيث يجب تأمين الممرضات، والأطباء، والخدمات اللوجستية.. إلخ، جنباً إلى جنب مع التدريب، والأجور المناسبة". وأضاف أن المكان يقصد به المستشفيات ومراكز الرعاية الطبية فهي قليلة جداً، لأن تفشي المرض وضع ضغطاً هائلاً على المؤسسات الصحية القليلة". وهذا يعني أن الناس لا يمكنهم معالجة أمراض ومشاكل صحية أخرى، وبالتالي يتعرضون للفناء.