والعنوان بعاليه يحتاج إلى دراسة ميدانية عميقة من باب التحليل الاجتماعي لا من باب النقد الرياضي. تكمن الفكرة الجوهرية في أنه، ولأول مرة فيما أظن، تظهر أمامنا شرائح اجتماعية من كل الأطياف والمدارس وعلى العلن الجهري المكشوف تتمنى هزيمة ناد سعودي. كنا قبل ذلك نشجع (الوافد) من الباطن ونكتفي بالفرحة في صوالين منازلنا خفية أمام التلفزيون. ما هو السبب؟ سيقول لك أستاذ علم الاجتماع بجامعة (أ) مدفوعا بميوله الهلالية إن الفطرة البشرية تكره الاستئثار واحتكار البطولات وتهوى سقوط (الزعيم) لأنه، ولوحده، يمتلك ثلث البطولات السعودية مجتمعة. سيقول لك أستاذ علم النفس بجامعة (ب)، مدفوعا بنصراويته، إن النفس البشرية تكره الفئوية والتعالي مثلما تكره الظلم والعنصرية وجيوش المال المدفوع من أجل حسم بطولات متكررة بالكربون من بعضها البعض. سأقول لك كأهلاوي إن للجمهور ذاكرة لن تنسى الأفراح الزرقاء والشماتة يوم هزيمة الأهلي في ذات المناسبة قبل عامين، مثلما سيقول لك الاتحادي إن الحكم الياباني أسقى الهلاليين ذات جرعة السم والألم التي أسقوها البقية لثلاثين سنة. الذاكرة لا تنسى بدليل إعادة (يد النزهان) الشهيرة وأيضا كوارث كأس المؤسس (تويتريا) وبكثافة منذ مساء ما قبل البارحة.
والخلاصة أنني أشكر الهلال لأنه بعث فينا كل هذه الضوضاء والجلبة. لأنه أول فريق سعودي سمح للجميع أن يقول رأيه بالضد الجهري المعلن بعد أن كنا من قبله نمارس النفاق والتقية. الدرس الاجتماعي الأهم أن المجتمع برمته برهن في (أسبوع الهلال) المثير على نهايات احتكار الإعلام التقليدي للوصاية واحتكار الخبر والمصدر. ما لا تستطيع أن تقوله في (روتانا) تستطيع أن تقوله على قناة (العدالة) مع زحام ألف قناة جديدة. ما لا تستطيع كتابته في صحيفة تستأثر بعشرة آلاف قارئ تستطيع أن تقوله في (140) حرفا فقط ثم تحصد مئتي ألف (ريتويت) في أقل من ساعة. الدرس المجتمعي الجديد في العالم الإلكتروني الجديد أن الصوت الأعلى لم يعد للكثرة ولا للغلبة. الدليل القاطع أن ناديا مثل الشباب يسجل (كعبا أعلى) على الإعلام الأهلاوي رغم أن الأخير يسجل مئتي ألف في عدد الحضور الجماهيري حتى اليوم مقابل أقل من خمسة آلاف فقط للأول.
بقي أن أقول إن الهلال ثقافة مختلفة عند الفوز وعند الهزيمة حتى وهو يقسمنا إلى ثلاثة أرباع ضده وربع كامل معه. شكرا للهلال لأنه سمح للداعية والكاتب وأستاذ الجامعة أن يختلف في العلن الجهري المكشوف معه أو ضده. شكرا له لأنه حطم (التابوه) المغلق وسمح للجميع أن يقول رأيه بعيدا عن زيف كل مصطلح.