من المفارقات العجيبة أن كثيراً من السعوديين يراجعون العيادات الطبية يشكون من نقص فيتامين (د) الذي يؤدي نقصه إلى "لين العظام"، وأمام نقص فيتامين "د" الذي أصاب المجتمع؛ ظهر حرف الـ"دال" بوفرة لدى شريحة أخرى من المجتمع، رغم أن زيادته مؤشر على "لين الفكر".

كلا "الدالين" ثمنهما رخيص، ففيتامين "د" الذي يحتاجه الجسم يمكن الحصول عليه من أشعة الشمس أو تعويضه بالعلاج، و"الدال" الآخر يمكنك الحصول عليه أسرع من سابقه، من خلال حفنة ريالات تُمنح لسماسرة الجامعات الوهمية لتهدي أعلى شهادة أكاديمية إلى من يعاني من نقص في شخصيته الاجتماعية ويعتقد أنه لا يكمله إلا "الدال".

وبعلاقة عكسية، فإذا كان الأطباء يقولون إن نقص فيتامين (د) في الجسم يسهم في ظهور أعراض الاكتئاب، فإن المهووسين بحرف الـ"دال" أكثر اكتئابا -في نظري- وخاصة عندما يحققون غاياتهم بالحصول على اللقب الأكاديمي، لكنهم لا يجدون من حولهم ينادونهم بـ"يا دكتور".

أعترف لكم بأني أشفق كثيراً على بعض الزملاء الذين باعوا الغالي والرخيص من أجل شراء الـ"دال"، وبعد أن طرزوا به أسماءهم، مُنعوا رسميا من استخدامه، فأصبحوا بين سندان نشوة "الدال" ومطرقة الجهات التي يعملون فيها، فلم يعد أمام الواحد منهم سوى أن يخلع "داله" كل صباح أمام بوابة مقر وظيفته، ويعود ويتلبس به بعد نهاية الدوام، ليكون أستاذا في النهار ودكتورا في الليل.

يحسب لوزارة التربية والتعليم -وهي من الجهات التي طار بعض منسوبيها في "عجة" الشهادات الوهمية- أنها اتخذت قرارا تاريخا قبل عامين يمنع استخدام منسوبيها لمثل هذه الألقاب الأكاديمية، وتوعدت من يستخدم لقبا أكاديميا وهميا أو غير معترف به، بإعادة النظر في موقعه الوظيفي.

أين هي الجهات الأخرى من الوقوف في وجه ظاهر الشهادات الوهمية التي أصبحت سرطانا ينهش في جسد المجتمع؟ فالممنوعون من استخدام الدال الوهمية في العمل الحكومي صباحا لا يتورعون عن استخدامها في المناشط الاجتماعية والثقافية والمجالس مساء.

إنهم ضحايا الوهم الذين تنطبق عليهم مقولة "كذب كذبة وصدقها".