"مناورة صامتة".. هكذا وصفت التحليلات السياسية ما قام به حزب الله خلال الأيام الماضية، حيث شارك الآلاف من مقاتليه في مناورة عسكرية جنوب نهر الليطاني الواقع جنوب لبنان على مدى يومين متتاليين، رغم أن هذه المنطقة الجغرافية تقع ضمن نطاق القرار 1701، الذي يمنع أي وجود عسكري لحزب الله من مقاتلين أو أسلحة. وهذا يوضح معنى لفظ "المناورة الصامتة" المستعملة للإشارة إلى ذلك الحدث. لكن السؤال المطروح، لماذا قرر حزب الله عمل هذه المناورة العسكرية في ظل تهديد كبير يواجه لبنان من قبل داعش وجبهة النصرة بعد مواجهتهم مع الجيش اللبناني في عرسال؟
ترقب ساعة الصفر
أجاب حزب الله على هذا الأمر بأن المناورة هي رد مباشر على المناورات الإسرائيلية التي حصلت على الحدود مع لبنان. لكن ترشح المصادر، أن إيران منحت حزب الله الضوء الأخضر، للتحضير للمرحلة المقبلة التي سيكون عنوانها احتمال نشوب حرب إسرائيلية - إيرانية بسلاح ومسرح لبناني. وهذا يستدعي من حزب الله جهوزية عسكرية ولوجستية لساعة الصفر، التي يبدو أنها ستكون عند السياج الحدودي الفاصل بين لبنان وإسرائيل.
استدعاء المقاتلين
حسب المعلومات الواردة، فإن حزب الله استدعى آلاف المقاتلين لديه للمشاركة في هذه المناورة الصامتة، التي اعتمدت على تدريب المقاتلين على الدفاع عن القرى الاستراتيجية في الجنوب اللبناني، واستعمال الأسلحة المضادة للدروع وطائرات استطلاع يمكن تزويدها بعبوات تنفجر بواسطة أجهزة لاسلكية، وصولا إلى إمكانية دخول حزب الله إلى العمق الإسرائيلي.
مناورة صامتة
على هذا الخط، يرى عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش أن مناورة حزب الله الصامتة "إعلامية بامتياز". ويتابع قائلا "يريد حزب الله الإيحاء بأنه مازال موجودا لمواجهة إسرائيل. في حين تقول الوقائع إنه ألغى دوره نهائيا في مقاومة إسرائيل التي باتت تعرف هذا الأمر جيدا. إذن تصب مناورة حزب الله في جانبين، الأول تعويم إعلامي، الثاني جزء من الاستعداد لما سيحدث خلال الأسابيع القادمة في سورية والعراق".
حزب الله والتجربة النازية
ويعلق علوش "كان لافتا أن حزب الله استخدم في هذه المناورة عناصر شابة للغاية، وكأنه يطبق تجربته القتالية في سورية في الداخل اللبناني، إذ أعطي له الأمر من إيران بالدخول في حرب مع إسرائيل، معتمدا على شبان تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عاماً. وهؤلاء بطبيعة الحال يملكون الحماس والاندفاع الكفيلين بعدم طرح الأسئلة وتنفيذ الأوامر الصادرة إليهم. لم تبق ألمانيا النازية في النصف الثاني من الحرب العالمية الثانية على متطوعين في الجيش سوى الأطفال. وهذا ما يطبقه اليوم حزب الله مع جمهوره، من أجل استزاف الطائفة الشيعية، تحت شعارات مضللة وبعيدة عن الحقيقة. وللأسف وقع ضحية هذا الأمر شباب الطائفة الشيعية خصوصا والمجتمع اللبناني عموما، بعد أن غير حزب الله بوصلته منذ عامين – إن كانت فعلا كذلك- من تحرير فلسطين إلى خدمة المشروع الإيراني".
عسكرة المجتمع اللبناني
يضيف علوش "نحن نواجه اليوم سلوكا واضحا لحزب الله نحو عسكرة المجتمع. وهذا ما سبق وطبقته الأنظمة الشمولية في ألماينا والاتحاد السوفيتي، التي وضعت كل عناصر المجتمع في خدمة الرؤية الحزبية. لكنها انتهت بشكل مفاجئ مع نهاية مشروعها. وعموما، لن تجدي نفعا كل محاولات حزب الله لتنفيذ أجندة ولاية الفقيه، خصوصا بعد جلوس إيران قريبا على طاولة المفاوضات لحل الإشكاليات الواقعة في المنطقة، وساعتها عليها أن تختار بين الدخول في التسوية أو المواجهة بالحديد والنار. وفي الحالتين، لا أستبعد أن يكون حزب الله جزءا أساسيا مما سيتم التفاوض عليه".
تدريب الأهالي على حمل السلاح
ويجد علوش، أن حزب الله سبق مناورته الصامتة، بعملية تدريب واسعة على حمل السلاح، نفذها حزب الله في جنوب لبنان، من أجل تدريب الأهالي على مواجهة بعض المجموعات الانتحارية التي قد تقرر تنفيذ عملية ما في جنوب لبنان، أو احتلال مجموعة مبان أو إطلاق النار على الأهالي. لذا من الضروري أن يكون مع بعض الأهالي أسلحة لتأمين حمايتهم الشخصية، حتى لا تشكل هذه العمليات المفترضة أساليب ضاغطة على حزب الله في بيئته الحاضنة. أي أراد حزب الله تأمين جبهته الداخلية الجنوبية الداعمة له في حال اندلاع حرب مع إسرائيل، خصوصا أنه أرسل عددا كبيرا من مقاتليه الى سورية، ثم فقد جزءا غير قليل منهم في القتال الدائر هناك.
تحويل البوصلة لإسرائيل
مستشار رئيس حزب القوات اللبنانية الجنرال وهبة قطيشة بحسب ما يروي لـ"الوطن"، له رؤية مقاربة لعلوش، حيث يجد أن حزب الله "أراد أن يقول لجمهوره من خلال هذه المناورة بأن عدوه الأساسي مازال إسرائيل. وأن ما نقوم به دون وجه حق في سورية هو أمر طبيعي. أراد حزب الله إسكات بيئته الحاضنة التي رفعت صوتها مؤخرا شاكية قتاله في سورية، بعد سقوط مئات القتلى من الشباب. أيضا أراد حزب الله من هذه المناورة أن يستمر في متاجرته بالقضية الفلسطينية طبقا لمعايير المحور الذي يجمعه بكل من سورية وإيران. أراد حزب الله تبيان امتلاكه آلاف المقاتلين من خلال مشاركتهم في هذه المناورة، مما يعني أن من سقط في سورية هم النزر القليل! أراد حزب الله أن يحسن من صورته أمام محازبيه بعد الانكفاء الإيراني في العراق والبحرين وسورية والعراق. لذلك أراد القول لهم إنه مازال يملك الكثير من القوى رغم تلك الهزائم".
تحضير الشارع لهجوم إسرائيلي
قطيشة يقول "إن ما أعلنه حزب الله من سبب لقيامه بهذه المناورة لا يمت إلى الواقع بصلة. لم ينفذ المناورة ردا على المناورات الإسرائيلة، لأن الجيش الإسرائيلي يقوم بمناورات فصلية وسنوية عند نهاية كل تدريب عسكري. وهو لا يعني قراره بالهجوم على لبنان. إلا أن حزب الله يروج لهذا الأمر من أجل القول لجمهوره بأنه موجود للرد على إسرائيل. وهنا لا أستطيع إلا أن أتساءل: لماذا لم يطلق حزب الله طلقة واحدة على إسرائيل منذ 8 سنوات عند انتهاء حرب تموز؟! باختصار: لن يقاتل حزب الله إسرائيل بعد اليوم إلا إذا أمرته إيران بذلك، وساعتها سيدخل لبنان في ورطة كبيرة".
حزب الله ووجه التطرف
وينفي قطيشة أن تكون هذه المناورة لإحداث نوع من التوزان العسكري والسياسي بين حزب الله من جهة وداعش وجبهة النصرة من جهة أخرى، خصوصا أنها جاءت بعد انتهاء المواجهات بين تلك الأخيرتين والجيش اللبناني في عرسال. يقول قطيشة "حزب الله أكثر أصولية من داعش وجبهة النصرة. قطع حزب الله رأس الوطن بمنعه انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ووقوفه حائطا منيعا في وجه تقدم وسيادة لبنان. هو حزب إرهابي. قتل رئيس الحكومة في الشارع! يمارس حزب الله إرهابا خفيا منظما. وهو أكثر خطرا من إرهاب داعش وجبهة النصرة القائم على بعض الأفراد المجرمين".
فزاعة جمع شيعة لبنان
وهذا ما أكد عليه أيضا علوش قائلا "لا تهدد داعش حزب الله، بل هي فزاعة استخدمها من أجل إعادة جمع الطائفة الشيعية تحت لوائه بعد تفرقها بسبب تورطه في الحرب السورية. لقد أوهم حزب الله بيئته الحاضنة بأنه يدافع عنهم ضد الخطر الأكبر المدعو داعش. لكن سرعان ما سيكتشف جمهور حزب الله أن كل ادعاءاته بعيدة عن الواقع، لأن داعش ستنهار على يد المكونات السنية في المنطقة".