أزعم أنني أحاول متابعة الكثير من نشاطات الهيئة العامة للسياحة والآثار، وخصوصا ما يتعلق بجانب الآثار، ولذلك وصلت إلى قناعة تقول: إن أهم عقبة تواجه خطط ومشروعات الهيئة الخاصة بجانب التنقيب عن الآثار التي غطاها غبار النسيان والإهمال، إلى جانب اللحاق بما تبقى من شواهد على حضارات عريقة سادت في مساحات شاسعة من أرض المملكة الحالية، هي الإصرار على بقاء الآثار جزءا من عمل أشمل تنهض به الهيئة، وهو الجانب السياحي الذي أرى أنه أخذ الجانب الأكبر من الجهد والموارد، وعلى الرغم من ذلك ما زال هو الآخر غير مقنع بشكل كبير للكثير من المواطنين. فكما هو معلوم أن الآثار علم كبير جدا، تندرج تحته وترفده عدة علوم منها الطبيعية والإنسانيات والجيولوجيا وغيرها. لذلك فهو يحتاج إلى قطاع علمي مستقل، وذي موارد مالية ثابتة، لا يتشارك مع أي نشاط آخر، كما هو حاصل الآن. لأن الآثار ليست مجرد بيوت قديمة مبنية من الطين أو الحجر، هي أعمق وأشمل من ذلك بكثير. الآثار قد تشمل تراثا شفويا وتراثا علميا مكتوبا، كالخطوط والرسومات التي تعتبر الأداة الأساسية لتواصلنا مع تلك الحضارات الغابرة. إذن فهي تحتاج لجهد علمي كبير ومالي وإداري مستقل، وكوادر مؤهلة تأهيلا صحيحا، إلى جانب عشق الباحث لهذا المجال، الذي لا ينجح فيه إلا عاشق للبحث والمغامرة والاكتشاف. قد يقول قائل: هذا من مهام الجامعات السعودية، والأقسام العلمية التي تهتم بالآثار. وأقول: هذا صحيح، على افتراض أن هناك أقساما علمية ومعاهد أبحاث مرموقة لدينا، كما نرى في جامعات أخرى، لا نقول غربية أو شرقية، بل حتى في العديد من الدول العربية، ذات الإمكانات المادية والبشرية الأقل منا بكثير. فالحقيقة أن الجامعات لم تقم بدورها المفترض في هذا الجانب، فأقسام الآثار تتآكل بسبب التهميش أو دمجها في إطارات أخرى، تأخذ نصيب الأسد من أي مخصصات مالية أو كوادر بشرية.

طبعا، لا يمكن الفصل بين الهدفين الثقافي والاقتصادي (السياحي) لترميم الآثار والحفاظ عليها، وهو ما جعل الآثار والسياحة في إطار مؤسسي واحد تحت اسم "الهيئة العامة للسياحة والآثار". لكن تحقيق التكامل بين طرفي السياحة والآثار، يمكن أن يكون في إطار مؤسسي، لا يقل عن مجلس أعلى مثلا، يجمع الجهة العلمية المستقلة المعنية بالآثار، مع الجهة الاقتصادية المستقلة المعنية بالسياحة. عندها سيكون التكامل هو المنتج النهائي، بدلا من تداخل المهام، وربما تعارض بعضها الذي نشاهده حاليا، خصوصا في جانب تأهيل القرى التراثية.