قلما كانت التلفزيونات تستعين بالممثلين لتقديم البرامج من منطلق التخصص والموهبة.. فتقديم البرامج الحوارية والفكرية والمنوعة وغيرها بحد ذاته يعد موهبة مثل التمثيل.. ولأن التمثيل صار في الآونة الأخيرة "شغلة" من لا شغل له، وصار ينتقل بالوراثة بين الأجيال خاصة في مصر وسوريا.. فلا مانع أيضا من أن يكون التقديم "شغلة" من لا شغل له. وهكذا بدأ غزو الممثلين للبرامج في الفضائيات العربية ولأن بعض فضائيات الخليج تدفع أكثر، فقد تفتقت الأذهان عن أسلوب استقطاب الممثلين والممثلات لاستقطاب جمهور المشاهدين.. والمسألة لم تبدأ بالتأكيد بـ"أيمن زيدان" وابنه، ولن تنتهي بـ"يسرا" صاحبة البرنامج الجديد "العربي مع يسرا" على قناة أبوظبي الأولى.

ولأن يسرا بقناعة القائمين على البرنامج مثلها مثل غيرها ممن التصقت البرامج بأسمائهن من مقدمات و"مقدمينات"، فقد جاء اسمها في عنوان البرنامج كي ينال ضيفها الشرف الرفيع ويدخل التاريخ من بوابة "العربي مع يسرا"..

الطريف في المسألة أن عددا من كبار الشخصيات والنجوم سيحلون ضيوفا على البرنامج من بينهم الدكتور فاروق الباز، الدكتور مجدي يعقوب، بطرس غالي، الروائي علاء الأسواني، الفنان دريد لحام، السيناريست وحيد حامد، الإعلامي زاهي وهبي، الموسيقار مارسيل خليفة، الموسيقار عمر خيرت وغيرهم.. وقد يحدث مع بعض الضيوف صراع خفي على الاستئثار بالكاميرا والحوار.. والنجم هو من يسيطر على زوايا الحلقة.

من إشكاليات البرامج الحوارية والثقافية العربية أن معظمها لم يتخلص لغاية اليوم من عقدة النجومية لدى من يقدمه.. فمقدم البرامج ـ وهو ليس ممثلا أو ممثلة ـ لديه القناعة دائما أنه أهم من الضيف، فما بالنا لو كان المقدم قادما من الوسط الفني الذي يستمتع بتجمهر الناس حوله حيثما حلّ وارتحل..

رأيت ذات مرة في أحد المهرجانات العربية مقدم برنامج ثقافي على فضائية كبيرة وقد أتى ضيفا مثل بقية المدعوين.. لكنه وحده كان يمشي مختالاً وينظر للآخرين بازدراء، ووحده كان يبدي "القرف" من كل ما حوله كأنه معجون من غير طينة البشر.. كل ذلك ليس لأنه يقدم برنامجاً ثقافيا حوارياً فحسب، بل لأنه مقتنع بنجوميته الخارقة!