حينما حدد الرسول - صلى الله عليه وسلم - موقع جيش المسلمين في غزوة بدر، سأله الحباب بن المنذر بن الجموح: "يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟" فقال عليه الصلاة والسلام: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة".. فقال الحباب: "يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون".. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أشرت بالرأي".. هذا الحديث يبرهن بشكل مباشر على قيمة المشورة.

أقول مجدداً إن كثيرا من مشاكلنا هي نتاج إسناد مهمة "المستشار" للشخص غير المناسب، وأحياناً غير الأمين.. وكثيراً الجبان.. ولذلك - ركز معي - حينما تعثر على مسؤول ناجح، فتش عن دائرة المستشارين التي تحيط به كأنها ربطة عنق، قبل كل شيء!

والمأزق أن هذه المهمة لا تستلزم أي اشتراطات أو مؤهلات.. خذها ببساطة: مجرد "كيمياء" وارتياح، ويتم إصدار قرار بتعيينه مستشارا!

- العرب تقول: "ما خاب من استشار".. لكن ـ وقلت هذا غير مرة ـ ليس كل شخص مؤهلا لأن يكون مستشاراً.. أو نعهد إليه بمهمة الاستشارة، أو نستعين برأيه ومشورته وخبرته.. ليس كل رأي ثاقباً، ولا كل مشورة محققة للآمال، ولا كل خبرة جديرة بالاهتمام..

- ليس أسوأ من الاستبداد بالرأي سوى اختيار مستشارين سيئين..!

- كن على ثقة، لا يمكن أن تمر بعض هذه القرارات أو التصريحات الاستفزازية التي تصفعك كل صباح، إلا في حالتين: إما أن صاحبها مستبد برأيه، ووصل مرحلة من الشعور بالفوقية تدفعه للانفراد بالحل والعقد.. أو أنه محاط بمجموعة تعيسة من المستشارين يفتقدون للأمانة والشجاعة.