تناول العديد من الباحثين والدارسين في المجال الاجتماعي، أسباب الطلاق في المجتمع السعودي، وتكاد مجمل هذه الأبحاث تشترك في الأسباب نفسها متمثلةً في (ضعف الوازع الديني، وعدم الرؤية الشرعية، وغياب الدور التوجيهي للآباء والأمهات، وعدم معرفة الزوجين بحقوق الآخر، والمشاكل الاقتصادية، وإدمان المخدرات.. الخ).
وبالرغم من أن مشكلة "الطلاق" حظيت بالبحث والدراسة سواء من المؤسسات الدينية والتعليمية أم الجهات الحكومية المعنية، وتطرقت إلى أسباب هذه الظاهرة، إلا أن نسب ومعدلات الطلاق في تزايد مستمر، مما يعني أن هذه الدراسات لم تلامس الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الطلاق!
الملفت للنظر في هذه القضية، أن أكثر نسب الطلاق تقع في فئة الشباب، فقد كشفت إحصائية حديثة أجريت بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية عن أن ما نسبته 60% من حالات الطلاق تقع في السنة الأولى من الزواج بسبب ضعف الثقافة الزوجية وعدم تحمل الشباب المسؤولية!
للأسف فإن معظم الدراسات تحمّل الشباب والفتيات مسؤولية ظاهرة الطلاق في المجتمع، وتتجاهل مسؤولية المجتمع المتمثلة في العادات والتقاليد وكذلك في الفتاوى الفقهية المتعلقة بالزواج والطلاق، بالإضافة إلى وجود فراغ تشريعي في هذا المجال.
فقد جرى العرف والتقاليد في المجتمع، أن يختار الأهل الزوجة للشاب بمجرد رغبته في الزواج، والتي يرونها مؤهلة أن تكون زوجة لابنهم، وبالطبع فإن الشاب لا يعرف عن زوجة المستقبل شيئاً، ولا الفتاة كذلك، فلا تعرف الطبائع والأخلاق والسلوك بين الطرفين.
والمسموح به في المجتمع والذي يبيحه الفقهاء هو ما يسمى بـ"الرؤية الشرعية"، حيث يسمح للشاب برؤية الفتاة التي تقدم لخطبتها في وجود أحد محارمها ولدقائق معدودة، وبالتالي فإن هذه الرؤية لا تحقق المعرفة التفصيلية بين الطرفين، ويكون الزواج مرهوناً بالصدفة والحظ المجهول لتقرير مصيره! ثم ماذا لو أن الشاب رفض الزواج من الفتاة بعد جلسة "الرؤية الشرعية"؟ ربما يشكل ذلك عقدة وإحباطا نفسيا للفتاة، خاصة أمام صديقاتها وأقاربها.
كما أن بعض الأسر تجبر الشاب على الزواج رغماً عنه وتحت الضغط الشديد، مثل الزواج من الأقارب وبنات العمومة أو القبيلة والعشيرة، أو محاولة لإصلاح حال الشاب المتهور أو الطائش، وذلك من مبدأ "زوجوه يعقل"، فهل نتوقع أن يعيش الزوجان في أجواء الود والحب المتبادل؟.
عندما يقول الباحثون إن من أسباب الطلاق تنافر الطباع بين الزوجين، وغير متلائمين في الفكر والمزاج، وبالتالي يعيشان التعاسة والشقاء وينتهي أمرهما إلى الطلاق، فهل نظروا إلى العوامل السابقة؟.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن عامل إشباع غريزة الجنس يشكل أحد الأهداف الرئيسية في الزواج، وهذا يحجب العقل عن رؤية الحقائق والواقع، بالإضافة إلى إشكالية رؤية الشاب وتصوره عن المرأة، فيتحرك نحو الزواج وتشكيل الأسرة من موقع الحاجة الجنسية وحب السيطرة وتملك المرأة لا من موقع الحاجة إلى شريك الحياة وتكوين الشخصية الاجتماعية.
والمجتمع يتأثر بأقوال الفقهاء في الزواج والطلاق، والتي تأثرت بالعادات والتقاليد والأعراف، وربما تأثرت أيضاً بثقافات أخرى، تنظر إلى المرأة على أنها أصل الخطيئة، ومدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وناقضة لقانون الله، وهذه النظرة الدونية للمرأة أدت إلى جعلها تحت سلطة الرجل الكاملة، وملكاً خاصاً له، وهي مجرد وعاء للمتعة ليس لها حق الموافقة أو الرفض للرجل الذي يرغب فيها تحت مسمى الزواج.
والنظرة السابقة إلى المرأة، أسهمت في خلق حالة طاغوتية تجاه الزوجة، فينطلق الزوج في التعامل معها من موقع التملك والحيازة وكأنها سلعة تباع وتشترى، ويمارس عليها وصاية وولاية أشبه ما تكون بالولاية على الصغير والسفيه، مما يؤدي ذلك إلى تفريغ محتوى الأسرة واختزالها في بعد غير إنساني.
قد يعترض معترض هنا ويقول: "هناك هدوء وسلام في أجواء العائلات السعودية، وزواجات ناجحة في ظل العادات والتقاليد والفتاوى الفقهية"، وأقول إن هذا راجع إلى المرأة التي تهتم بعائلتها وأطفالها أكثر من الرجل، فتخضع لطغيان الرجل وممارساته التعسفية حفظاً لكيان الأسرة وحبها لأبنائها، وأيضاً من مبدأ طاعة الزوج وحسن التبعل له فهذا من الجهاد وأحد أسباب دخول الجنة، و"تكفير العشير" من أسباب دخول النار.
هذا فيما يتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية والفتاوى الفقهية، أما بالنسبة للفراغ التشريعي لمشكلة الطلاق، فكما هو معلوم عند الفقهاء بأن الطلاق يقع بمجرد تفوه الرجل بكلمة الطلاق، ثم يأتي الزوج إلى المحكمة ومعه شاهدان اثنان، وعلى الفور يتم استخراج صك الطلاق ومن دون سبب، وعليه فإن إجراءات الطلاق سريعة وسهلة جداً بالنسبة للرجل، بعكس المرأة عندما تطلب الخلع.
وفي الماضي كان الرجل هو "السيد المطلق، والمرأة هي العبد المطيع لسيده دون أن يكون لها الحق في الاعتراض على ظلم لحقها منه، ولذلك كان الطلاق من حق الرجل وحده"، وبالتالي فإن تسهيل الطلاق وتعدد الزواجات، قد يكون مبرراً للتمتع الجنسي بالتنقل بين النساء!
في القرآن الكريم، هناك إجراءات متعددة للطلاق وترتيب معين وليست بهذه السهولة التي يراها بعض الفقهاء، ومن هذه الإجراءات: الإصلاح بين الزوجين لرأب الصدع وتذليل المشاكل، والتربص، وحماية الزوجين من الضرر.. الخ، ثم يأتي الطلاق كحل أخير للمشاكل بعد تطبيق هذه الإجراءات، لذا هناك حاجة إلى وجود قوانين رادعة وضابطة لعملية الطلاق وتقييده إلى أبعد الحدود في ضوء تعاليم القرآن الكريم.
لقد حدث تغير وتطور اجتماعي كبير في المملكة بسبب انتشار التعليم وبداية دخول الفتيات في سوق العمل، وبدأت تتغير الأفكار والقيم في أوساط الشباب والانفتاح على العالم الجديد، ولهذا فإن المجتمع بدأ يعيش التخبط بين قيم الأمس المتمثلة في العادات والتقاليد، وبين مقاييس الحياة المعاصرة في ظل التأخر الفقهي عن إيجاد حلول تلامس مشاكل الأسرة والمجتمع وفق مستجدات الواقع ومنها الزواج والطلاق.