لعلي أتوجه بالسؤال لبعض أعضاء وعضوات مجلس الشورى، وهم في موقع مهم بالنسبة للدولة، وذلك من واقع تداول بعض القضايا للنقاش واتخاذ قرار برفعها للمقام السامي.. هل يدركون فعلا القيمة الدستورية لعضوية مجلس الشورى؟ فهذا المجلس يمثل المؤسسة التشريعية للوطن وبه نشارك في فعاليات المؤتمرات البرلمانية الإقليمية والدولية، وفي أي نظام سياسي هناك مؤسسات للحكم لها أدوارها التي يعيها الأعضاء الذين يعملون بها، وحين يجعل بعض الأعضاء تلك المؤسسات مواقع للمزايدات والاعتراضات غير المجدية التي تأتي من منطلقات فكرية ذاتية لا تتسع للوطن والمجتمع ومستقبلهما، فإن الأفق يبقى قاصرا ومتواضعا عن أي استحقاقات كبيرة.

بعض الأعضاء الموقرين، في مجلس الشورى، يأتون بأفقهم الخاص، وميولهم الفكرية والأيديولوجية الخاصة ويسعون إلى المزاحمة بها بحسب هواهم وأهدافهم، بعيدا عن الفكرة الوطنية الموضوعية في النقاش والمداولات، ففي مثل هذه المؤسسات التشاورية تخضع أي أنظمة أو قرارات كبيرة لقراءات متعددة، أولى وثانية وحتى ثالثة، حتى يشبع الموضوع نقدا ودراسة، ومن ثم يتم التصويت دون أي شعور بالانهزامية الفكرية، إذا لم يسقط في مرحلة الإجازة النهائية، ولكن هناك من يشعر وكأن القضية التي اعترض عليها قضية حياة أو موت، أو صراع بين حق وباطل، وهنا لا تضيع هيبة المؤسسة وحسب، وإنما سلطة التداول والممارسة الشورية الحرة غير المقيدة بضغوط الاتجاهات الذاتية للأعضاء المعترضين.

من خلال استعراض مداولات المجلس في العام المنصرم، وما أنجزه ولم ينجزه، أتوقف عند طرح لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى لمشروع نظام "مكافحة التحرش من الجنسين" وهو مشروع لا أعتقد أنه تم تقديمه أسوة بدول أخرى أو مؤسسات تشريعية أخرى، وإنما في إطار أمر واقع في المجتمع، فالأصل في الطرح أن يأتي من نشوء ظاهرة سلبية ودعم الدولة باقتراح أنظمة تعمل على ضبط الحركة الاجتماعية بما يوفر أمنا اجتماعيا وجنائيا ووطنيا، وبالتالي يفترض التعامل مع الطرح دون حساسية من وحي الاجتهاد الخاص.

النظام مستوف الشكل الإجرائي وتم بناؤه بشكل دقيق يراعي متطلبات التوصية بإجازته كصمام أمان اجتماعي، وفي مرحلة القراءة الأولى تعرض لانتقادات خلاصتها تسفيهه ورفضه بمسوغات لا تستقيم مع مقتضيات المؤسسات الدستورية والشورى. ورغم أن المادة الأولى عرفت التحرش موضوع النظام وهدفه وتطرقت لقضية الستر، إلا أن المعترضين اجتهدوا بشكل انصرافي في انتقاص التعريف، بل نفيه بقولهم إنه لم يتم تعريف التحرش لغويا وشرعيا وقانونيا.

سوء الممارسة الشورية، أو بعبارة برلمانية "الدستورية"، يتضح في قفز المعترضين إلى المطالبة بـ"سحب الموضوع وعدم عرضه في الوقت الراهن لسبب أن النظام يحتوي 17 مادة ويتفق مع نظام الحماية من الإيذاء في خمس مواد، وأنه في موضوعه جزء من النظام السابق وليس مغايرا له"، واستخلصوا أن "من الخير للمجلس والوطن أن ينظر في مآلات الأمور وبخاصة ما تثير المجتمع، بحق أو بغير حق، ولعل من الحكمة التأجيل"، ويضاف إلى ذلك مسوغات أخرى للرفض تشير إلى المنحى الذاتي للموضوع بأن "النظام بني على سلوك عام يدخل ضمن نطاق تشريع عام يلغي فيه اجتهاد القاضي نحو ستر القضية والحفاظ على الأعراض وغيرها"، وأنه "لا يوجد في المصطلح الفقهي الشرعي ولا في الكتاب والسنة مصطلح (التحرش بين الجنسين) والوارد بالإيذاء وهذا ما يعطي ارتباكا في سن النظام" انتهاء بـ"الضعف الواضح في صياغة النظام".

وأسأل.. هل من الخير للمجلس والوطن أن يتم التداول في قضايا مهمة بهذا الفكر واللغة والخلط والارتباك التشريعي؟ وذات المعترضين كأنما يعترضون على كل شيء، فهذه عضوة همها الاعتراض على كل ما يخطر ببالها، تسجل اعتراضا انصرافيا حول "ظهور مذيعات قنواتنا السعودية بهذا المظهر المبالغ فيه زينة وإظهار مفاتن الجسد هل هو جائز شرعا في دولة دستورها القرآن أم ماذا يا وزير الإعلام"، وأخرى اتجهت للدعوة لإخضاع القنوات الفضائية المملوكة لسعوديين لسياسة الدولة الإعلامية، وهذا سوء فهم عميق لدور عضو مؤسسة كبيرة مثل مجلس الشورى، ولكننا ننتهي بلا شك إلى ما ذهب إليه روبرت كينيدي بأنه في أي قضية تعرض للنقاش هناك 20% يعترضون بداهة لمجرد الاعتراض، وأعتقد أن هؤلاء ضمن نسبة كينيدي، وبالتالي لا حاجة لنا بهم لأن دورهم أن يعترضوا فقط.