بات مشهد اعتصام عشرات النسوة والفتيات عند باب حطة، أحد الأبواب في الجدار الشمالي للمسجد الأقصى، شبه يومي منذ عدة أسابيع بعد شروع الشرطة الإسرائيلية في فرض قيود على دخولهن إلى المسجد في الفترات الصباحية التي تتزامن مع اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد.

وقد لعبت الفتيات والنساء من سكان القدس الشرقية والداخل الفلسطيني دورا كبيرا في الأشهر الماضية في صد الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد، وذلك من خلال مشاركتهن في مصاطب العلم في المسجد وترديدهن صيحات "الله أكبر" مع كل اقتحام، بعد أن لجأت الشرطة الإسرائيلية إلى مهاجمة واعتقال الشبان الذين أخذوا على عاتقهم لأشهر عديدة منع اقتحامات إسرائيلية واسعة للمسجد.

ومع بزوغ الفجر يوميا، ما عدا أيام الجمعة والسبت، تبدأ قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية بالانتشار على أبواب المسجد لمنع من ترى أنهم معرقلون للاقتحامات الإسرائيلية للمسجد والتي تتم بحماية الشرطة الإسرائيلية إلى أن أصبحت السياسة الإسرائيلية المطبقة وإن كان بشكل غير معلن هي "ابتعدوا عن المسجد لتمكين المستوطنين من اقتحامه".

تقسيم زماني

ويرى فلسطينيون في هذه الإجراءات بداية لعملية تقسيم زماني للمسجد بين المسلمين واليهود سيما أنه يتزامن مع منع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما من دخول المسجد، حيث تسعى الشرطة إلى إفراغ المسجد أمام المستوطنين الإسرائيليين الذين يقتحمون المسجد في فترات ما قبل صلاة الظهر.

وعمليا يبدأ الاقتحام الإسرائيلي للمسجد، من خلال باب المغاربة الواقع في الجدار الغربي للمسجد، في الساعة الثامنة صباحا ويستمر حتى موعد صلاة الظهر، وفي أحيان كثيرة تستأنف الاقتحامات حتى بعد صلاة الظهر بساعة أو ساعتين.

وبحسب إحصاء فلسطيني فإن أكثر من 8100 إسرائيلي اقتحموا المسجد خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بما في ذلك خلال شهر رمضان المبارك.

ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي محاولة منه لتبديد مخاوف فلسطينية وأردنية بشأن هذه الإجراءات عمد إلى إصدار بيان قصير عبر الناطق باسمه عوفير جندلمان قال فيه "إسرائيل تحترم الوضع القائم على الحرم الشريف وستواصل احترامه، نعلم أنه توجد هناك تدابير معينة بما فيها الدور التقليدي للمملكة الأردنية الهاشمية ولا ننوي تغيير ذلك".

غير أن هذا التصريح لم يعكس نفسه بتغيير الإجراءات التي شرعت الشرطة الإسرائيلية بتطبيقها بل زادت حدة، إذ تم إبلاغ النساء والفتيات اللواتي يصلن إلى المسجد في الفترات الصباحية بعبارة "عودوا بعد الساعة 11" في إشارة إلى انتهاء موعد الاقتحامات الإسرائيلية الصباحية للمسجد.

ولذلك فقد قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع للقيادة الفلسطينية مساء السبت "هناك مساع إسرائيلية من أجل التقسيم الزماني للحرم الشريف، نقول لإسرائيل ونقول للعالم هذا خط أحمر لا يمكن أن نقبل به، لا يمكن أن نقبل به، مهما كانت الظروف، ونحن لن نقبل أن تبقى القدس محتلة، وأن تهود وغير ذلك، لكن الآن عندما يقولون يريدون أن يقسموا القدس زمانيا وربما مكانيا، هذه قضية لن نقبل بها أبدا".

قريع يحذر

أما عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤول ملف القدس في المنظمة، أحمد قريع "أبو علاء"، فقد رفض تصعيد حكومة الاحتلال الإسرائيلي من خلال اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي التي تسهل عملية الاقتحامات اليومية، محذرا من تداعيات هذه الممارسات والمخططات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى الذي يتهدده خطر التهويد والتقسيم الزماني والمكاني وتجسيد هذه المخططات الخطيرة على الأرض.

ويرى المسؤولون الفلسطينيون أن تصريحات نتنياهو تتناقض مع أفعاله على الأرض، فعلى الرغم مما صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي فإن لجنة الداخلية البرلمانية الإسرائيلية بحثت في جلسة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد وسبل تفعيلها خاصة بعد أن سمحت الشرطة الإسرائيلية وللمرة الأولى منذ 3 سنوات باقتحام المسجد في ذكرى ما يسمى بخراب الهيكل مطلع شهر أغسطس الجاري.

جلسة الكنيست

نشر الكنيست الإسرائيلي على موقعه الإلكتروني تفاصيل جلسة بحثت تقسيم الأقصى، هذه الجلسة التي تؤكد المساعي لتقسيم المسجد زمانيا، إذ إن عضو الكنيست دافيد تسور، الذي يرأس لجنة برلمانية إسرائيلية خاصة بدراسة الوضع في المسجد الأقصى، قال حرفيا في الجلسة "يجب دراسة كيفية تقليل الاحتكاك من خلال تحديد أوقات الزيارة المنفصلة لليهود والعرب" إلى المسجد الأقصى.

أما عضو الكنيست من حزب (الليكود) موشيه فيجلين، والذي يقتحم المسجد شهريا، فقد اقترح "إقامة منطقة عازلة تمتد لمسافة 100 متر أو أكثر تفصل بين اليهود والعرب" خلال اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى.

وبدورها قالت رئيسة اللجنة الداخلية عضو الكنيست ميري ريجيف "إذا ما كانت هناك توجيهات حكومية بشأن السماح لليهود بزيارة جيل الهيكل (المسجد الأقصى) فيجب الالتزام بها، وفي الحالات الاستثنائية يتوجب على الشرطة فحص إمكانية إغلاقه أمام أبناء كل الأديان بعد تنفيذ أعمال شغب". في إشارة إلى قيام الشرطة الإسرائيلية بإغلاق المسجد أمام غير المسلمين لدى وقوع اشتباكات في ساحات المسجد على أثر الاقتحامات الإسرائيلية.

ودعت ريجيف إلى "إقامة منطقة عازلة بين اليهود والعرب في نقاط الاحتكاك"، لافتة إلى أنه في شهر نوفمبر ستجتمع لجنة الداخلية مرة أخرى من أجل مناقشة الموضوع بمشاركة وزير الأمن الداخلي والنائب العام.

جبل الهيكل

بدوره قال نائب قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس أفشالوم بيلد "الشرطة تفترض أن اليهود سيزورون جبل الهيكل (المسجد الأقصى) خلال الأعياد"، وذلك بعد أن كانت الشرطة تمنع اليهود من اقتحام المسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية.

ولفت بيلد خلال الجلسة إلى أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت 492 فلسطينيا في القدس على خلفية الاحتجاجات على اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى منذ شهر تموز وأنه تم تقديم لوائح اتهام ضد 188 منهم.

وعلى ذلك فقد رأى قريع أن هذه الجلسة الإسرائيلية تأتي "لتصعد من الأزمة الراهنة التي تتعلق بالمحاولات الإسرائيلية الدائمة لتغيير الوضع القائم والمس بالسيادة الفلسطينية والوصاية الأردنية على المسجد الأقصى والمقدسات في البلدة القديمة".

ومن جهتها حذرت مؤسسة الأقصى من الدعوات التي صدرت في اجتماع لجنة الداخلية في الكنيست إلى الفصل بين المسلمين واليهود أثناء اقتحامهم للأقصى. وقالت "إن اجتماع لجنة الداخلية شهد "نقلة نوعية" في الدعوات التي تشير بشكل واضح إلى سعي الاحتلال والمؤسسة الإسرائيلية إلى تطبيق وفرض مخطط التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى.

انشغال العالم بغزة

ويرى مسؤولون فلسطينيون أن سلطات الاحتلال تستغل انشغال العالم بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في محاولة لفرض التقسيم على المسجد الأقصى. وقال رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، الاحتلال الإسرائيلي يستغل انشغال العالم بما يحدث في غزة للتسلل إلى المسجد الأقصى، وهذا تدخل سافر في صلاحيات المسجد الأقصى". وأضاف "الاحتلال يحاول السيطرة على أبواب الأقصى، وهذا أمر خطير جداً، وفرض أمر واقع جديد، ومحاولة فرض مخطط التقسيم للأقصى، ولن نقبل بهذا بأي حال".

ويتفق عضو المجلس الثوري لحركة (فتح) حاتم عبدالقادر، مع ما ذهب إليه الشيخ صبري وقال "هناك مخطط إسرائيلي يوشك أن يقع وينفذ، وهو التقسيم الزماني للمسجد الأقصى، تمهيدا للتقسيم المكاني، ويبدو أن هناك قرارا رسميا بهذا الموضوع، والاحتلال قد يستغل انشغال العالم لتنفيذ هذا المخطط".

وفي إشارة إلى تصدي الفلسطينيين لعدة محاولات إسرائيلية لاقتحام المسجد خلال شهر رمضان قال عبدالقادر "إذا ظن الاحتلال أنه سيمرر عدوانه ومخططاته، دون أن يكون هناك حماة للأقصى، فالاحتلال مخطئ؛ فلن يقف أهلنا في القدس والداخل الفلسطيني، مكتوفي الأيدي، ولعل ما حدث في الشهر الأخير هو خير دليل على أن أهل القدس والداخل سيكونون الحماة للأقصى، ونقول هذا الأمر كتحذير بشكل واضح".

وعادة ما تؤدي الاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى إلى موجات احتجاج فلسطينية، ففي عام 2000 اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أريل شارون المسجد فاندلعت الانتفاضة الثانية، وفي ليلة القدر منعت قوات الاحتلال الفلسطينيين من إحياء ليلة القدر في المسجد فخرج أكثر من 10 آلاف فلسطيني في مسيرة من رام الله إلى حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي، شمالي القدس، فارتقى عدد من الشهداء وسقط عشرات الجرحى في مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. وفي هذا الصدد قال رئيس لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني محمد زيدان، إن "المؤسسة الإسرائيلية تحاول منذ احتلالها للقدس أن تفرض سيطرتها على المسجد الأقصى، وما يحدث اليوم في الأقصى ليس جديدا، إن ما يفعله الاحتلال من اعتداءات على المسجد الأقصى يرفع منسوب الاحتقان، وينذر بانتفاضة ثالثة".

وبدوره حذر نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، الشيخ كمال الخطيب، من أن "أي تنفيذ لتقسيم الأقصى أو هدمه سيمثل بداية النقض للمشروع الصهيوني"، وقال "إياكم والمسجد الأقصى، لا تلعبوا بالنار، إننا لا نملك مدافع ولا صواريخ ولكننا نملك العزيمة".

إقامة الهيكل

ولا تقف المخططات الإسرائيلية عند تقسيم المسجد، إذ تستمر على قدم وساق المخططات لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وتحديدا منطقة قبة الصخرة.

وفي هذا الصدد أعلن "معهد الهيكل"، معهد متخصص في بناء وتحضير أدوات الهيكل المزعوم، أنه أطلق في الأيام الأخيرة حملة عالمية لجمع تبرعات بقيمة 100 ألف دولار أميركي، بهدف تمويل رسم وتحضير خرائط ومخططات تفصيلية لبناء الهيكل المزعوم. وقالت مؤسسة الأقصى، المتخصصة بالمقدسات، "يقوم الحاخام حاييم ريتشمان، مدير الدائرة العالمية في "معهد الهيكل"،على دفع هذا الملف إلى الأمام.

ونقلت عنه قوله "إن كل بناء ضخم، يوازي بناء "الهيكل" بحاجة إلى تخطيط ومخططات دقيقة وتفصيلية لكي تتم المصادقة عليه من قبل الجهات المختصة (في إشارة إلى لجان ودوائر التخطيط الرسمية في مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي)، وهذا الموضوع هو نفسه يعدّ أحد المخاطر، وبعد أن قمنا بوضع مخططات عامة بخصوص بعض الأبنية في مساحة الهيكل، بدأنا اليوم العمل على المخططات التفصيلية، وهي لا شك مكلفة جداً".

وهذه ليست سوى مؤسسة واحدة من عشرات المؤسسات التي تعمل تحضيرا لإقامة الهيكل المزعوم، وبعضها يتخذ من أبنية تمت السيطرة عليها في محيط المسجد الأقصى منطلقا لهذه المخططات.