لا أحسب أن هناك إنسانا لم يحلم يوما بوظيفة كريمة، تتوافر فيها مزايا خاصة مهما كانت ثقافته وديانته ومهنيته وخبراته، لأن الحب والشوق للجاه والمال والتميز أحد طبائع ومكونات النفس البشرية التي وصفها خالقها في القرآن الكريم فقال: "وتحبون المال حبا جما"، والجاه يتبع المال، والمال يأتي بطريقين؛ إما تجارة كانت عفيفة أو دنيئة أو عن طريق الوظيفة والعمل.

لقب -معالي الوزير- جذاب وله مكانة في النفوس، وقد تحدث عن جاذبيته الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- في كتابه (حياة في الإدارة) وأنه بالفعل لقب يتطلع إليه الكثير، ولو بالحلم وحديث النفس فقال: "إن عجبي لا ينتهي من أولئك الذين يتصورن أن الوزارة أصبحت في متناول أيديهم بعد سماع تعليق سريع أو مجاملة عابرة. أعرف كثيرين أصيبوا بصدمة كبرى عندما جاء التشكيل الوزاري خلواً من أسمائهم، ثم يواصل ويقول: يبدو أن قدرة البشر على تصديق ما يودون تصديقه لا تكاد تعرف الحدود، أغرب ما في الأمر أن هؤلاء المرشحين لم يرشحهم أحد سوى أنفسهم". ص 140 طبعة عدد 14 الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

مقدمة سقتها قصداً لتوضيح وتبيين قيمة هذا اللقب النفيس في قلوب كثير من الناس، بل لو أنه يشترى لشراه كثير من الأثرياء، إذ إنه ألمع وأعذب من لقب "الشيخ أو رجل الأعمال أو التاجر أو العم فلان"، ومع هذا كله فإن تبعاتها التي جاءت بها النصوص تضطر العاقل لدفعها والتهرب منها وخاصة إذا كانت ذات شأن يختص ويتعلق بشؤون الناس كوزارات الخدمات عموماً فقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك أن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها" رواه البخاري.

هذا -ويفهم- من الحديث أن سؤالها يعني الخذلان والتبعة الشاقة، وإعطاءها للمرء من غير سؤال أو الحرص والسعي إليها هي من دواعي التوفيق والعناية التي تفوق كل الجهود. وقد جاء في حديث آخر: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". وهو أن - المسؤولية - مأخوذة من السؤال وأن المرء سيُسأل عما أسند إليه يوم القيامة.

وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف من الوزراء الذين نالهم الكثير من الهمز واللمز في مواقع التواصل الاجتماعي بحجة وقوفه عثرة في طريق كثير من التوجيهات والقرارات السيادية التي تخص المواطن، وأنا لست بصدد نفيها أو إثباتها أو تفنيدها، إنما أحاول إعادة تصحيح مفهوم خصائص وسمات وملامح من يستحق الترشح للرياسة والتي أعتقد أنه تحلى بكثير من تلك المزايا كونه تعرض لنقد اجتماعي لاسع طيلة ترؤسه الوزارة المعنية بضخ المصروفات واعتمادها للوزارات والمشاريع ومع هذا فضل الصمت والهدوء.

فقد جاء في كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لمحمد بن حبان البستي "أن أهل الجاهلية لم يكونوا يسودون عليهم أحدا لشجاعته أو لسخاء، إنما يسودون عليهم من إذا شُتِمَ حَلُمَ وإذا سئل حاجة قضاها أو قام معهم فيها". وقال أيضا لا يستحق أحد الرياسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء: "العقل والعلم والمنطق ثم يتعرى عن ستة أشياء: الحدة والعجلة والحسد والهوى والكذب وترك المشورة - ثم ليلزم - في سياسته على دائم الأوقات ثلاثة أشياء: الرفق في الأمور والصبر على الأشياء وطول الصمت".

والحق يقال إن وزير المالية تحلى بهذه الصفات والسمات والأخلاق، لكنه سيبقى مغضوباً عليه عند بعض شرائح المجتمع، وسيبقى الوزير الذي لن ينساه السعوديون، وربما استطاع استدراك ذلك بتدوين وكتابة سيرته الذاتية والوظيفية وتوضيح مواقفه وآرائه تجاه ما نُسب ويُنسب إليه بموضوعية وشفافية خلال توليه الوزارة.