لم يكن عادل الكلباني سوى رجل أنعم الله عليه بحسن الصوت والإجادة التامة لكتاب الله، فكان أن تسابق الناس على مسجده الكبير "مسجد الملك خالد" ليكون محل قبول بما أنعم الله به عليه، أما فيما يخص المحيطين به فيصفونه بصاحب العلم، حسن الخلق والرجل الذي لا تملّ من مجالسته.

ولأن "خفة الدم" متأصلة بهذا الشيخ الحسن الصوت فإنه ما يلبث بين الحين والآخر أن يطرح دعاباته سواء عبر لقاءاته التلفزيونية والصحفية أو عبر "تويتر"، ليكشف للناس وجها جميلا عن الشيخ المتفتح صاحب القفشات اللافتة والردود القوية التي لا تضر؟! وحيث إننا مجتمع قبلي ما زال بعضه يعاني من السوداوية والتجهم، وفي أحيان رفض الآخر؛ فإن الكلباني قد خرج عن أعراف القبلية التي من بين تعاليمها الداخلية، "حري بمن يحمل العلم الشرعي أن يكون من لون القبيلة متجهما عابسا مذكرا بالويل والثبور"، لا صادحا بالمعلومة تتخللها الدعابة، رقيق الكلام يسعد من حوله، لذا كان التقرير الذي أفردته صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن الكلباني بعد أن أصبح إماما في الحرم من الموبقات، كيف لا وهو قد مارس دعابته على لون بشرته ووضع نفسه كما أوباما، لا سيما وأن تلك ليست من الدعابات التي تعودنا عليها من أصحاب الشأن؟!

الكلباني شخصية اجتماعية مفيدة سواء فيما يطرحه عبر "تويتر" أو عبر مقاله الرائع في جريدة الرياض، ومنهما وفيهما لم يكفّر أحدا أو ينتمي لطائفة مرفوضة أو فكر ممقوت، كل ما فعله أنه خفيف الظل حلو اللسان، ولعل بعض مناوئيه قد أفتى ضد ذلك بأنه ليس من أخلاق حملة القرآن، ونسأل هذا المناوئ أن يخبرنا عن الصفات المطلوبة، ونسأله أيضا: هل على حامل القرآن أن يكون عابسا متجهما فاتح البشرة، لا ينادي إلا بالويل والثبور؟!

فيخُيلّ لبعض أصحاب الشأن وحسب الفقه القبلي أن الدعوة والإمامة تتطلبان التجهم، غير مدركين أن من أرقى قواعد الأخلاق أن تكون ليّناً باسما، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وأصحاب الفكر وعلماء الاجتماع يذكروننا دائما بأن اتخاذ الثغر شكل الابتسام مع نفس طيبة وكلام جميل يوحي أن صاحبه ذا خصال أصيلة وسجايا راقية، تجعله أكثر انفتاحا على الناس وأشد قبولا لديهم.

نعم لقد آلمنا أن يتسابق بعض المتنطعين ومن يتبعهم من الرعاع الجهال بفتح هاشتاقات تسيء للشيخ الجليل، وتقذف في أخلاقه وتسيء إلى مكانته، وتغمز إلى لونه وكأن الآية العظيمة "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، لم تصل إليهم أبدا، ليتجاوزوا إلى طلب قطع الرزق ومحاسبته، وهل تلك من أخلاق أهل الإسلام!!

ما يعاني منه الكلباني ليس من جراء عمل يمس الدين ويهز أركانه، بل من إشكالية فقه القبيلة الذي نعاني منه جميعا، ذلك الذي يفرض الإفصاح عن الفخذ والقبيلة، وكأن للون البشرة مواصفات وللحديث والدعابات مع الآخرين قيودا وشروطا! وكأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ونسوا أن تلك جاهلية يرفضها المنطق ونهانا ديننا عنها، وأن الكلباني ومن سار على نهجه أقرب إلى قلوب الناس، ومن هو كذلك هو أقدر على الإصلاح والتوجيه.