في ليلة الاحتفاء بمجموعتي القصصية (حالية اللبن)، جاءت تلك القروية المجاورة للسنابل التي تشبه سخاء قلبها ويدها.. صاحبة الأماني المعلقة بين الغيم والأحلام الغافية بين قمم "تهلل"..
جاءت محملة بورد ا?رض والحب وابتسامة ابنة القرية التي لم يخفها وصب السنين، ولم يلوثها وعثاء التلون الذي زعم لنا أنه تمدن.. جاءت تحمل شيمة ووفاء الصديقة الباقية، في زمن صارت العلاقات فيه تتخذ تصنيفات واضحة لا يتجاوزها الشخص إلى ما هو أسمى وأبقى..
كم تمنيت أنها جاءت في إحدى سني الزمن النقي، قبل أن تحثو الصحوة بغبارها في وجه عسير الجميل، وتفقدها بهاء أيامها وزهو ماضيها!! كيف ستكون الزيارة لو كانت الوفية سبقت بأربعين عاما؟
كان لنا أن نتعاطى الجمال كما هو، إما أن نسير سويا نقف على (المشنة) ننتظر (دولنا) دونما ملل يربك لحظاتنا كما هو انتظارات وقتنا الراهن في صالات المصارف وعيادات الأطباء، أو أن نبره (الجرين) (نذري) في همة ونشاط وسعة خاطر لا يكدر صفونا شيء.. وإما أن (ننشر) نحتطب والغناء يطوي المسافات، ويخفف ثقل حزم الحطب، ويعيد إلى نفوسنا صفوها وينقيها من كدر الليالي..
صديقتي ابنة تهلل، نتواءم أنا وهي كثيرا، لأنها مثلي متشبثة بالقرية، ولم تنحشد مع الباقيات اللاتي جعلهن العمل وميدانه متشابهات رغم الفروقات بينهن، إلا أنهن فقدن جميعا ذلك الألق والشفافية والبراءة في صديقتي..
لسن قادرات مثلها على أن ينسجن من الطبيعة رداء تتخيل خطوطه وتقاسيمه، كتلك اللوحة الخضراء التي تفيق عليها كل صباح تلونه بلون القمح.. وتزينه بحبات جنى العرعر، وتعطره بالندى الراقد فوق أوراق (العثرب)..
لسن قادرات على تشكيل أقراص الخبز بشكل أنيق وبمقاس واحد لا يقاومه الشخص وهو يراه متراصا فوق جمر (الميفا)، وكأنما تعد للوحة أخرى تربطها باخضرار مزاهر الحبق والريحان، وتناسق ألوانها، وانسكاب العطر ونشر فوضاه في (معاقم) البيت وبين (رقفه) (ومداميكه)..
رفيقة الاحتفاء بحاليتي.. لست وحدي من يراها مختلفة مرتبطة بأعالي القمم، تسير وتحفها الأماني قيل عنها: (ليست أسطورة تهلل فحسب، بل كل صفة أنثوية راقية تقترن بتهلل تليق بها)..
أتذكر من أمانينا أنا وهي أن نعود لزمن ارتداء المنديل الأصفر (نلقى) السوق، ونمكث حتى الغروب، ثم نعود لأحلامنا نجدل ضفائر الليل بكف تعبث بسكونه، وتهادن أحلامنا حتى نفيق على صباح مليء بثغاء الشياه ومزامير الرعاة...