الصيف قادم، والفراغ قاتل!. تلك العبارة فيما أعتقد هي عنوان الأيام القليلة المقبلة، حينما ينتهي الموسم الدراسي، وتبدأ رحلة البحث عن ما يرضي النفس الظامئة لاكتشاف ذاتها، إذ تتحطم كل مبررات القيد الموسمي الذي يكبل أبناءنا وبناتنا منذ بدء الدراسة حتى كتابة آخر كلمة في آخر دفتر إجابة!.

مازلت أتذكر قبل ما يربو على ثلاثين عاماً عندما كنا طلاباً في المرحلة الثانوية، كيف أن عقولنا كانت تتسع في كل خطوة نخطوها في رحلة العودة من المدرسة إلى بيوتنا بعد آخر (سيمفونية) نسمعها!. نعم كان جرس الانصراف الأخير ليس نحاسياً كالعادة، ولا نضع أناملنا في آذاننا اتقاء لـ(نشازه) كل صباح كالعادة!، الجرس الأخير دائماً كان (سيمفونية)، عزفاً منفرداً على أوتار الحرية والانطلاق والخلاص، ولكن المشكلة الكبرى التي كانت تؤرقنا دائماً هي السؤال: "إلى أين"؟!.

العقول التي تتسع فجأة بعد أن تفرغ كل ما (تلقنته) و(حُشِيَتْ) به بطرق ليست تربوية على الإطلاق، تصبح كالنار التي "تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله"، وهنا تكمن الخطورة التي هي بلا شك أقسى وأعمق في زمننا هذا!. فالمغريات أكثر من أن تُحصى، والسلبي منها يسود حتى لا يكاد الإيجابي يُرى!.

الأسبوع الثقافي الذي أعده نادي أبها الأدبي للمواهب، قبل أيام، وللسنة الثانية على التوالي، يصلح أن يكون نموذجاً حقيقياً لرعاية العقول الشابة، وخاصة العقول التي تملك قدراً من الموهبة، وحبذا لو تتكرر هذه التجربة خلال شهور الصيف المقبلة في كل الأندية الأدبية، وجمعيات الثقافة والفنون، بل وحبذا لو تسهم الصالونات الأدبية في هذا الاتجاه ولو بيوم من أيامها تستقطب فيه الشباب الذين هم عماد المستقبل، وحبذا أيضاً لو نشهد أسابيع ثقافية وأدبية وشبابية بشكل عام في جامعاتنا ومدارسنا، ولكن بعيداً عن التلقين الطارد والاستعلاء المنفر!.

الصيف قادم، والفراغ قاتل، ولا يمكن أن نترك شبابنا عرضة للتعبئات المنحرفة والمتطرفة التي يقوم بها البعض في هذا التوقيت، لأغراض أيديولوجية مقيتة، ولا يمكن أن نتركهم فريسة لفضائيات أعدت خصيصاً لإثارة أجسادهم الغضة، وحشو عقولهم بالأحلام (الوردية) الرديئة، ولا يمكن أن نتركهم صيدةً سهلةً لشباك مواقع ومنتديات الإنترنت التي تجملها الشعارات البراقة، بينما باطنها استلاب العقل!.

كلنا شركاء في مسؤولية حماية الشباب، وإذا كان نادي أبها الأدبي بدأ خطوةً رائعة في هذا الاتجاه، نرجو أن يكررها في مقبل الأيام، وتحت أي مسمى، فهل نشهد أسابيع ثقافية للشباب لدى كل من يعنيه الأمر في صيفنا الطارق على الأبواب؟!.