أهنالك علاج للخيانة؟! الواقع أنا لا أجد أمامي علاجا لهذا الداء! كما لا أستطيع فهم واستيعاب مبررات أهله، فأن يغير الفرد اتجاهه أمر يخصه، فعمله مربوط بعرقوبه، أما أن يتحول إلى آلة لا تجيد إلا التسفيه بمن كان بالأمس يبدي لهم الكثير.. الكثير من الإجلال، أن يبالغ في إظهار خيانته إلى درجة تصبح أنفاسه تتحرك وفق ذلك، فحاله تفوق طاقة استيعابي.

ثم كيف بنا بمن كان يدعي العلم الشرعي الذي يتبرأ جملة وتفصيلا من تصرفاته الظاهرة منها والباطنة، بمن كان يتحرك ويعيش بيننا ولم يجد منا إلا الاحترام وبشهادته.. حالته تلك تعتبر بالنسبة لي معضلة.. أحتاج لمن يفسرها لي، فأنا عاجزة تماما عن تفهمها.

لا أعترض على من لا يجد الرغبة في البقاء بيننا لأسباب خاصة، سواء تعلقت بفرص عرض أفضل أم برغبة شخصية، حتى ولو لم تكن لها أسباب واضحة.. ولكن أن يتحول ـ وبسفاهة ـ إلى آلة لا تخرج إلا النتن من الأفعال والأقوال، يفعل ذلك بعد سنوات قضاها بيننا معززا مكرما، فذاك هو المحير!

فتلك كانت تخشى الاستغناء عنها.. وعندما قيل لها - منذ عدة أشهر - إن السياسة العامة للتعليم العالي في المملكة أصدرت تعليماتها بالاكتفاء بتوظيف السعوديات لتدريس العلم الشرعي انتفضت.. مستفسرة عما ستؤول إليه.. فهل سيجدد عقدها أو سيستغنى عنها؟! لقد كانت لا تتورع عن إظهار تمسكها بنا وخوفها من فراق عملها.. حتى لأشخاص لا يملكون القرار.. لذا كانت خيانتها موجعة.. فتلك عاشت هي وأسرتها الكبيرة لسنوات بيننا تكتم العداء والبغض والحسد وتظهر الولاء، ومع الأسف لا أستبعد وجود أمثالها بيننا.. فذلك أمر وارد.. وممكن.. وغير مستحيل، والله أعلم.

ومع أني مدركة أن تلك الحالة كانت أجبن من أن تتحدث عن نواياها الإجرامية أمام الملأ.. هذا ما يدركه يقينا من عاشرها عن قرب، فقد كانت تخشى ظلها.. إلا أن هناك من لا يتورع عن نشر سمومه في صفوف شبابنا، ويعملون على الاصطياد فيما يعتقدونه ماء عكرا.

وبصفتنا مجتمعا، علينا أن نستوعب أننا سنحاسب لو تركنا أبوابنا مقفلة في وجوه شبابنا الحائر، الذين قد لا يجدون أمامهم منفذا إلا لأمثال هؤلاء الخبثاء، الذين يعمدون إلى استقبالهم بالورود ليلقنوهم الكره لأهلهم، والبغض لأوطانهم، والإرهاب للإنسانية جمعاء، والذين يعمدون لتغيير مفاهيمهم السليمة.. فيبرمجون عقولهم على أن في سفك الدماء البشرية البريئة، يكمن الخلاص لأرواحهم وأجسادهم، وأن الجنة تنتظر الذين لا يتورعون عن قتل وترويع المخالفين لهم، ولو كانوا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

ما الضرر الذي سنتحمله لو احترمنا اختلافهم، وأمسكنا بأيديهم إلى بر الأمان، لو عمدنا للجلوس والتحاور سويا.. فنُحترم ونرحم فلذات أكبادنا، فيكون حزمنا ممزوجا بحبنا وتقديرنا وثقتنا بهم..

لا شك في أن شبابنا بنين وبنات هم المستقبل، واستقرار وطننا لن يتحقق بيد شباب ضائع لا يعرف إلى أي اتجاه يتوجه، شباب اختلط عليه أمر الحق والباطل، شباب لم يعتد سماعنا ولم نعتد بدورنا سماع صوته، شباب علينا أن نوجهه لواجباته.. فاحترامه لأهل الاحترام والتقدير واجب.. كاحترامه لوالديه ولولاة الأمر والعلماء.. الخ، يقابله حبنا وتقديرنا وثقتنا بقدراته.. شباب لا نقبل أن يهان، ولا أن يستخدم بأيدي أصحاب المصالح والفكر الإرهابي.

عندما أنظر لحفيدي الأول ـ حفظه الله وبارك به وله ـ أسرح فيما ستكون عليه حياته.. أعلم بأني قد لا أراه شابا.. ولو حدث ذلك فقد لا أكون قادرة على الإفصاح عما أريد، والله أعلم.

وكثيرا ما أتساءل: هل سيجد ما وجدت جدته في شبابها من حياة مستقرة آمنة، لتكمل دراستها وتتزوج وتنجب وتعمل؟ وها هي تستقبل - والله أعلم - نهاية الطريق خائفة على استقرار وطن ضمها وضم أبناءها بنين وبنات، وضم حفيدها بحنان فاق حنان ورعاية الأقارب بعضهم لبعض.

كثيرا ما أتمنى لو أن روحي تسكن جسدا أكثر شبابا وقدرة على الحراك، وكثيرا ما أنسى على أي مفترق أقف، فتتحرك أداة الاستشعار لتذكرني بكم مضى من حياتي.. ولتوقفني على حقيقة أن ما مضى من حياتي أكثر مما بقى - والله أعلم - وأن عليّ الإسراع لترك ميراث يرضي ربي سبحانه عني.. ميراث ينتفع به أحفادي ولو بعد حين، ميراث يفخر به أبنائي بنين وبنات كما تفخر به بناتي الطالبات، ميراث يعلن ولائي لله - سبحانه - ثم لوطن أعطاني الكثير وما زال، ولشعب لم أجد السكينة إلا وأنا أتحرك بينه.. لحدود أتمنى أن تبقى محصنة.. قوية في وجه الأعادي.. حفظ الله حدودنا وحصنها بديننا، ثم بشباب واع قوي واثق يطرد الكارهين له ولا يبالي.

أدام ربي سبحانه علينا نعمة الأمن والأمان، وأغنانا بعظيم فضله عن العالمين، وأعاننا على طاعته وحسن عبادته.