دخول الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء، عنوان سياسي عادي، وإعلاميا عنوان طبيعي، أما أمنيا فهو عنوان بارز، لأن ذلك يدخلنا في مفارقة مع حيثيات الواقع الذي كان فيه الحراك السياسي يباشر تطبيقات الاتفاقية السياسية بموافقة هذه الجماعة، لكنها بادرت إلى مداخلة خشنة كان يمكن أن تكلف اليمن كل أمنه وسلامه، وبغض النظر عن نقض العهود والغدر بغيرهم، إلا أنهم ليسوا القوة الأكبر في اليمن، ولذلك حين سمح لعناصر الجماعة بدخول العاصمة بسلاسة فذلك يأتي في إطار تكتيك أمني لمنع انفجار الأوضاع وتطبيق اتفاقية السلم بالقوة العسكرية.

المؤكد أن الحوثيين حصلوا على ضوء أخضر من إيران باقتحام العاصمة على نسق "أنا ومن بعدي الطوفان"، فلم يكن مبررا على الإطلاق هذا الدخول غير السياسي إلى العاصمة والسيطرة عليها، طالما هناك عملية سياسية متفق عليها وتحت إشراف الأمم المتحدة، أي حاصلة على الدعم والغطاء الدولي لإخراج البلاد من حالة اللادولة، وعمليا وقعت الجماعة في فخ من صنع نفسها، وأصبحت هدفا غير قادر على اللجوء إلى الجبال وممارسة حرب العصابات التي ظلت تتمتع بها منذ نشأتها.

غطاء إيران لجماعة الحوثي غير مجد، ولا يخرج عن السياق العاطفي؛ لأن الوضع في الإطار السياسي، يعني أن هذه الجماعة تعطل عملية سياسية سلمية حظيت باتفاق المكونات اليمنية، وتورط إيران في الفخ على قوتها، يعزز فشلها في الواقع لأنها ستصبح منبوذة وغير مقبولة، والعملية برمتها اختبار لنفوذها الشعبي وحصتها السياسية في أي عملية ديموقراطية يمكن أن تتم، وحين يكون هناك طرف سياسي يتعامل بلغة عسكرية أو منطق القوة فمن الطبيعي ألا يكون له مكان إلا بالقدر الذي يعادل وزنه وقيمته الشعبية، والجماعة لا تمثل رصيدا كبيرا في الخريطة السياسية اليمنية حتى لو تحالفت مع بقايا النظام السابق.

وجود جماعة الحوثي في العاصمة دون مسوغ سياسي شرعي يعني بقاءها في حالة ذهنية مرفوضة، وابتلاع اليمنيين لاستضافتهم مع الكراهة والمرارة ما هو إلا للحفاظ على سلامة وحدتهم وأمنهم الوطني، ولا بد أن تنتهي الحال إلى تسوية سياسية وفق منظومة ديموقراطية للبرلمان والرئاسة لن تأتي بهم كنافذين أو مؤثرين في القرار السياسي لأن رصيدهم الشعبي لا يمتعهم بذلك، وهم لن يمارسوا دورا أمنيا أو سياسيا خلال سيطرتهم على العاصمة أو تمددهم على مدن أخرى بصورة نزيهة بعيدا عن اغترارهم بقوتهم العسكرية، أي أنهم يخطؤون وسيزيدون أخطاءهم كلما أبقوا الوضع جامدا دون عودة لاتفاقية السلم.

مؤخرا صنفت الأمم المتحدة خمسة أسماء وصفتها بالمعرقلة لعملية الانتقال السياسي في اليمن أبرزها الرئيس السابق: علي عبدالله صالح، وابنه أحمد السفير حاليا في دولة الإمارات، بالإضافة إلى ثلاثة من قياديي الحوثيين على رأسهم زعيم الجماعة، وشقيقه عبدالخالق، والقيادي العسكري بالجماعة أبوعلي الحاتم، وتلك خلاصة مهمة ما كانت لتحقق لولا الخطأ الكارثي باقتحام العاصمة ومدن أخرى، أي أن الشعب اليمني استبان بوضوح تام صنّاع الدولة الفاشلة في بلادهم، وبالتالي إذا التزم الجميع بمن فيهم هؤلاء بأي خريطة طريق سياسية للخروج من الفوضى الحالية فإنها ستفضي إلى المسار الانتخابي والمحاصصة السياسية الواقعية، لأنه لا طريق آخر سوى مزيد من الانهيار بحيث لا تبقى دولة أو عاصمة.

من الغباء السياسي أن يتوقف الحال عند سيطرة الحوثيين على صنعاء وتجميد الوضع السياسي ووضعه في مسار إلى نفق مظلم ينفذ أجندة إيرانية، لأنه بذلك يخسر الجميع ويدفع الحوثيون الثمن في عشرات القتلى يوميا من انكشافهم وسط أعدائهم، وإذا كانت كل الطرق تؤدي إلى صنعاء فلم يعد أمام الحوثيين غير طريق واحد للخروج من صنعاء سالمين، وهو عملية سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة يأتيهم منها بقدر وزنهم السياسي والشعبي، لا يزيد ولا ينقص، أو يدفعون فاتورة حرب لن يربحوها أو تربحها إيران.