ليست كل نظريات علم النفس "كلام فاضي" كما يقول غالبية الناس، فهناك نظرية مهمة جداً مرت على دارسي الاقتصاد أو التسويق، وهي نظرية ابراهام ماسلو في تراتبية الحاجات الإنسانية التي أصبحت فيما بعد هرماً يعرف باسمه.
لو فهمنا هرم ماسلو فهمنا لماذا لم نرتق ونترق كأفراد في أنظمتنا الاقتصادية ومؤسساتنا التجارية والاجتماعية.
ينقسم هرم ماسلو إلى خمسة مستويات، كلها تعبر عن حاجات يحتاجها الإنسان. وبحسب ماسلو لا يستطيع الإنسان أن ينتقل من مستوى إلى مستوى إلا بعد أن يستوفي المستوى السابق ويلبي احتياجاته فيه.
المستوى الأول هو الحاجات الفسيولوجية (Physiological needs)، وهي الحاجات التي تخدم البقاء البيولوجي بشكل مباشر مثل تلبية الجوع والعطش والجنس.. إلى آخره.
المستوى الثاني هو حاجات الأمان (Safety needs) وتشمل الحاجات المتصلة بالحفاظ على مكتسبات الإنسان في الحياة، ومن أهمها الحاجة إلى النظام والقانون والأمان المادي والمعنوي.
وماسلو يرى أن غالبية الناس غير قادرين على تجاوز المستويين الأول والثاني من الحاجات والدوافع.
أما المستوى الثالث فهو حاجات الحب والانتماء (Love & Belonging needs)، وتشمل الحاجات ذات التوجه الاجتماعي، مثل الحاجة إلى علاقة حميمة والحاجة إلى العائلة، وأن يكون الإنسان عضوا في جماعة أو مؤسسة.
والمستوى الرابع هو حاجات التقدير (Esteem needs)، وهي متعلقة باحترام النفس والإحساس الداخلي بالقيمة الذاتية واكتساب احترام وتقدير الآخرين.
وأخيرا حاجات تحقيق الذات (Self-actualization)، وهي متعلقة بالدوافع العليا التي لا يصل إليها الإنسان إلا بعد تحقيق إشباع كاف لما يسبقها من الحاجات الأدنى. وتحقيق الذات يتيح للإنسان استخدام كل قدراته ومواهبه وتنميتها إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه.
لن يستطيع مواطن سعودي أو عربي أن يرتقي هذا الهرم ويحقق ذاته ودخله متواضع لا يمكنه من الزواج وشراء منزل، وكل همه في الحياة أن يلبي احتياجاته الأساسية. ولا عجب إذاً ببقاء المواطن مدفوناً في المستويين الأول والثاني.
أما بالنسبة للمواطن في الأنظمة المتقدمة، فالزواج والجنس والأكل والشرب والحصول على سكن ليست هموما نظراً لبساطة الزواج والعلاقات ولدعم الدولة للمواطنين ولهذا يتطور الفرد هناك ويرتقي.
المملكة تريد اقتصاداً معرفياً، ولكن للإنسان حاجات وبدونها لا يمكنه الترقي وأن يصبح مبدعاً. لا نحتاج إلى برنامج مثل "خواطر أحمد الشقيري" حتى نصبح مبدعين ولا مليارات تصرف على خطط تعليمية ومراكز "إبداع" بل نحتاج لتلبية حاجاتنا الأساسيةوالنفسية.
وليتساءل المسؤولون لماذا أصبح مواطن اليوم يقارب الثلاثين وهو يحلم بالزواج ويعيش مديونا خمس سنين بعده لتسديد قيمة المهر وعفش المنزل ويصل إلى الستين وهو لا يمتلك بيتاً، حتى نعرف كم مبدعا سيكون لدينا مستقبلاً.