"توماس فريدمان"، كاتب أميركي شهير، وكثيرا ما تستهويني قراءة كتبه ومقالاته التي ينشرها في "نيويورك تايمز" الشهيرة، خاصة تلك التي تحفز العقل على مزيد من البحث والتساؤل. كان قد طلب مني التعاون معه في الترجمة حين إقامتي في واشنطن مرتين لكنني لم أوافق، وأخبرت الأصدقاء المشتركين الذين بعث بهم أن هذا التعاون لن يحدث لأسبابي الخاصة. في الرابع عشر من أكتوبر الجاري كتب مقالا مهما بعنوان A Pump War أعدت قراءته عدة مرات، وفي كل مرة أجدني أبحر في مسار مختلف، وتلك مزايا كاتب مثل فريدمان. افتتح مقاله بتساؤل أقرب ما يكون لتوكيد حقائق، بقوله:

"هل هي فقط خيالات تدور في ذهني أم أن هناك حربا نفطية عالمية تدور رحاها حاليا في مواجهة شرسة بين أميركا والسعودية من جهة وروسيا الاتحادية وإيران من جهة أخرى؟

لا أحد يمكنه التكهن على وجه الدقة فيما إذا كان هذا التحالف النفطي السعودي الأميركي جاء نتيجة لتخطيط مسبق أو بمحض الصدفة فقط لوجود المصالح المشتركة، لكن الأكيد أنه إذا كان هذا التحالف النفطي مخططا له وجادا؛ فإننا إذن أمام مشهد سيجعل مصير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرمز الإيراني الأعظم آية الله الخامنئي مشابهين لمصير آخر قادة الاتحاد السوفيتي السابق، حين استطاع ذلك التحالف النفطي السعودي الأميركي بكل مهارة واحترافية خنقهم ماليا لدرجة الإفلاس، وذلك عن طريق خفض أسعار النفط الممنهج، لدرجة أنه لن تستطيع ميزانية موسكو أو طهران تحمل أعباء مصاريف تلك الميزانية، ولن يكون اقتصاد تلكما الدولتين قادرا على الحياة.

لنا أن نتخيل المشهد حاليا: أربع دول مصدرة للنفط تمر في حالة اضطراب وخلل كبير هي: ليبيا والعراق وسورية ونيجيريا، بينما تعاني إيران من عقوبات دولية منذ عشر سنوات، عوامل كهذه كان من الطبيعي جدا أن ترفع أسعار البترول بشكل خرافي لكن ما نراه حاليا هو العكس تماما، فسعر النفط الخام العالمي بدأ يتراجع لأسابيع وينخفض حتى استقر عند سعر 88 دولارا للبرميل بعد أن كان ولفترات طويلة جدا يتراوح بين الـ105 و110 دولارات للبرميل الواحد. هبوط أسعار النفط جاء نتيجة للركود الاقتصادي الذي تشهده أوروبا والصين متزامنا مع بروز الولايات المتحدة الأميركية كإحدى أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم. تزامن مع ذلك أيضا رفض السعودية لخفض إنتاجها من النفط عكس كثير من دول منظمة أوبك، التي تسعى عبر خفض الإنتاج لرفع سعر النفط الخام.

النتيجة المؤكدة لذلك ستكون مزيدا من الصعوبات التي تواجهها إيران وروسيا ومزيدا من المشاكل الاقتصادية والأعباء الإضافية، في ذات الوقت الذي تدخل فيه المملكة وأميركا في مواجهة معهما في سورية. تبدو تلك أمورا اقتصادية بحتة للوهلة الأولى لكنها نذر حرب في معان أخرى حين ندقق النظر ونركز في المشهد قليلا، حيث تكون الحرب النفطية واضحة جدا. الروس لاحظوا ذلك ولنا أن نعرف كيف لاحظوا هذا، كانوا قد شاهدوا هذا المنظر سابقا حين تفكك الاتحاد السوفيتي. صحيفة برافدا الروسية الشهيرة كتبت عنوانا مثيرا على صفحتها الأولى في الثالث من أبريل الماضي وبالخط العريض يقول: "أوباما يريد من المملكة تدمير الاقتصاد الروسي". قالت الصحيفة إن هناك سابق تجربة لما يحدث حاليا حين سقط الاتحاد السوفيتي في الثمانينات، وهنا يتكرر المشهد نفسه لهذا الهجوم المشترك عندما رفعت السعودية من إنتاجها النفطي بشكل دراماتيكي من مليوني برميل من النفط إلى عشرة ملايين برميل يوميا، مما أدى إلى هبوط سعر البرميل من 32 دولارا إلى 10 دولارات فقط. واضطر الاتحاد السوفيتي أحيانا إلى بيع منتوجه النفطي بسعر أقل ليغطي احتياجاته، وصل لبيع البرميل بستة دولارات فقط في حالة وجود مشتر. السعودية وبذكاء شديد لم تخسر شيئا أبدا فحين هبطت أسعار النفط لأكثر من ثلاثة أضعاف كان إنتاج السعودية من النفط يزداد خمسة أضعاف إنتاجها السابق، بينما لم يكن الاقتصاد السوفيتي قادرا على تحمل تلك المفاجآت والصمود في وجه تلك المتغيرات، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية في سقوطه وتفكك المنظومة الشيوعية.

صرح نائب رئيس الوزراء الروسي آيقور قايدر الذي كان بين 1991 - 1994 أن سقوط الدب الروسي كان متزامنا مع تصريح الشيخ أحمد زكي يماني وزير البترول في حينه أن السعودية سترفع من معدل إنتاج النفط، مما يعني تخليها عن حماية أسعار النفط بينما بدأ الاقتصاد السوفيتي يخسر 20 مليار دولار سنويا، مما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي بسرعة مثيرة. لن تسقط طهران أو موسكو غدا لكن التأثير الفعلي قد بدأ وسيكون أشد وطأة حين تصل أسعار البترول إلى حاجز السبعين دولارا للبرميل، مما سيؤثر كثيرا على الاقتصادين الروسي والإيراني، وهنا ستتمكن المملكة وأميركا من خدمة أهدافهما الاستراتيجية. التصريحات الأخيرة لوزير البترول السعودي ومسؤول أرامكو السابق تجعل المشهد أكثر وضوحا".

انتهت مقالة توماس فريدمان أو الأجزاء التي تهمنا منها، وهنا نقول بكل ثقة وفخر إن السياسة الحكيمة للمملكة تستطيع القضاء على أي عدو حين تكشر المملكة عن أنيابها، وإن أقطاب العالم أجمع تؤمن أن السعودية وقياداتها أفعال لا أقوال، وليست كالآخرين جعجعة دون طحن وتصريحات إعلامية للاستهلاك المحلي فقط.

أشعر بالفخر والعزة حين أقرأ مقالات لهذا وغيره كفريد زكريا، والحق ما شهدت به الأعداء. سلمت بلادي.