استعرض الكاتب الإسرائيلي "يوسي غوريتس" في مقال نشره "مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية"، تاريخ إرهاب الجيش الإسرائيلي، كما وصفه، انطلاقاًً من حادثة اقتحام الجيش لمنزل أحد المواطنين الفلسطينيين وإصابة مصورة صحفية في الحادث. واستعراضاً للتاريخ الطويل الممتد على طول سنوات الاحتلال، لم يكتب الرجل كل شيء، فهذا التاريخ الصهيوني الأسود أشمل من أن يُسرد في مقالة، ولكنه أفلح في سرد توصيف يمكن وصفه بالمهم والدقيق لسلوك الجيش الإسرائيلي وارتكابه المجازر في حق الشعب الفلسطيني وشعوب عربية أخرى. ويجب ألا ننسى أن الكاتب في النهاية صهيوني، يريد مثل كل الصهاينة مصلحة قومه، وأن قسوته عليهم نابعة من انتمائه إليهم. ولكن يمكن لنا أن نستفيد من مقالته، على طريقة "وشهد شاهد من أهلها"، لإقامة الحجة على تاريخ الاحتلال الإرهابي الأسود.
تاريخ الجيش الإسرائيلي كتنظيم إرهابي بدأ منذ فترة متقدمة جداً؛ ففي أواخر الثلاثينيات عندما أصدر "يتسحاق سديه" أوامره لـ"يغئال ألون" الشاب بإطلاق النار على نافذة فلسطينية مضاءة، والهدف كان الترويع ولإرسال الرسالة بوجود مسلحين يهود في المنطقة، وليس مسلحون فلسطينيون فقط، وبعد حوالي عقد من ذلك أصبح "سديه" و"ألون" جنرالات في الجيش الإسرائيلي، وأشرفا على عملية تطهير عرقي في المناطق التي احتلت من قبلهما.
ولكن طبيعة الجيش الإسرائيلي الإرهابية تبدو جلية في إطلاق النار على مراسلة "بتسيلم"، التي يمسك بكاميرتها أثناء اقتحام بيت إنسان أراد فقط أن يتناول وجبة إفطار بعد صوم يوم طويل. إرهاب الجيش الإسرائيلي يظهر جلياً هناك دائماً وعندما لا يكون هناك عنف وعندما لا يشكل أحد خطراً على حياته أو حياة اليهود الآخرين، أحياناً تكون هناك كاميرات وبالتالي توثيق للإرهاب. ولكن في كثير من الوقائع الأخرى في الحقول في المراعي والطرقات أو في اقتحام منزل عند هزيع الليل لا توجد كاميرات؛ عندها يعطي المسلحون أنفسهم مساحة أكبر، فهم يعرفون أن الرأي العام الداخلي لا يريد أن يعرف وسيكون سعيداً أن الضحية تكذب طبيعة الاحتلال، أو بمعنى آخر قمع التطلعات الوطنية الخاصة بملايين من الآخرين، يؤدي بالاحتلال إلى التحول عند مرحلة معينة – وبشكل عام بطريقة سريعة جداً – يحوله إلى قوة إرهابية، المحتلون يجب إرعابهم بعد كل شيء ويجب إنكار إنسانيتهم، وإلا فسيكون صعباً على المسلحين أن يبرروا ما يقومون به، وإعطاء المصداقية لتعديهم على بشر يشبهونهم كثيراً.
ووصف المحتلة أراضيهم بأنهم "أقذار"، هو وصف رسمي أطلقته إسرائيل على الفلسطينيين على مدار سنوات طويلة في شبكة إعلام المسلحين، ولحين أصبحت وسائل الإعلام غير قادرة على غض الطرف، ويتحدثون عنهم كخطر متواصل. ولكن من يراقب تصرفات المسلحين في الميدان يعرف أنهم لا يتعرضون لأي خطر، فإنهم يتجولون بكل حرية في أوساط السكان المحتلة أراضيهم حتى في ذروة التظاهرات يسمح المسلحون لأنفسهم بالتحرك وسط الجمهور الفلسطيني؛ لأنهم يعرفون تماماً أن حياتهم لا تتعرض للخطر من قبل هؤلاء، ولو كان الفلسطينيون مقاتلين حقيقيين لكان كل دخول للمسلحين وسطهم ليتسبب بطعنة سكين، وما كان الجنود ليتصرفوا بهذه الطريقة.
إسرائيل آخذة بالتحول إلى النموذج الصربي وجمهورها مؤيِّد للإرهاب اليومي، العالم الخارجي كف عن الاستماع غالباً إلى ما لدى المسلحين من القول، دولة القتل الشعبي الصربية دمرت بالقصف الجوي، ويبدو أن هذا لن يحدث لإسرائيل، ولكن يمكن حقاً لتمسكها بسياسة الإرهاب اليومي أن يؤدي بها إلى الاعتقاد الذي تتحاشى التفكير فيه طوال السنوات الماضية، وهو التفكير أن "العالم كله ضدنا".